للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩)}

٧٦٣٦٢ - عن نعيم بن محمد الرَّحبيّ، قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق: واعلموا أنكم تَغدُون وترُوحون في أجلٍ قد غُيِّب عنكم علمه، فإن استطعتم أن ينقضي الأجل وأنتم على حَذر فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، وإنّ أقوامًا جعلوا أعمالهم لغيرهم، فنهاكم الله أن تكونوا أمثالهم، فقال: {ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ} أين مَن كنتم تعرفون مِن إخوانكم؟! قد انتهتْ عنهم أعمالُهم، وورَدوا على ما قَدَّموا، أين الجبّارون الأوّلون الذين بَنَوا المدائن وحصّنوها بالحوائط؟! قد صاروا تحت الصّخر والآكام، هذا كتاب الله لا تَفنى عجائبه، ولا يُطفَأ نوره، استضيئوا منه ليوم الظّلمة، واستنصِحوا كتابه وتِبْيانه، فإنّ الله قد أثنى على قوم فقال: {إنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْراتِ ويَدْعُونَنا رَغَبًا ورَهَبًا وكانُوا لَنا خاشِعِينَ} [الأنبياء: ٩٠]. لا خير في قولٍ لا يُبتغى به وجه الله، ولا خير في مالٍ لا يُنفقُ في سبيل الله، ولا خير فيمن يَغلب غضبُه حِلمَه، ولا خير في رجل يخاف في الله لومة لائم (١). (١٤/ ٣٩٥)

٧٦٣٦٣ - قال مقاتل بن سليمان: ثم وعظ المؤمنين ألا يتركوا أمره، ولا يكونوا بمنزلة أهل الكتاب، فقال: {ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ} يعني: تركوا أمر الله، {فَأَنْساهُمْ أنْفُسَهُمْ} أن يقدّموا لها خيرًا، {أُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ} يعني: العاصين (٢). (ز)

٧٦٣٦٤ - عن سفيان [الثوري]-من طريق مهران- {نَسُوا اللَّه} قال: نسوا حقّ الله، {فَأَنْساهُمْ أنْفُسَهُمْ} قال: حظّ أنفسهم (٣) [٦٥٥٣]. (ز)


[٦٥٥٣] ذكر ابنُ تيمية (٦/ ٢٧٩ - ٢٨١) بعض ما جاء في قول سفيان وقول مقاتل، وعلّق عليه، فقال: «وقد قال طائفة من المفسرين: {نسوا الله} أي: تركوا أمر الله {فأنساهم أنفسهم} أي: حظوظ أنفسهم حيث لم يُقدّموا لها خيرًا، هذا لفظ طائفة منهم البغوي. ولفظ آخرين منهم ابن الجوزي: حين لم يعملوا بطاعته. وكلاهما قال: {نسوا الله} أي: تركوا أمر الله. ومثل هذا التفسير يقع كثيرًا في كلام مَن يأتي بمجمل من القول يبيّن معنى دلّتْ عليه الآية ولا يفسّرها بما يستحقه من التفسير. فإنّ قولهم:» تركوا أمر الله «هو تركهم للعمل بطاعته، فصار الأول هو الثاني. والله سبحانه قال: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}، فهنا شيئان: نسيانهم لله، ثم نسيانهم لأنفسهم الذي عُوقبوا به. فإن قيل: هذا الثاني هو الأول، لكنه تفصيل مجمل كقوله: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} [الأعراف: ٤]، وهذا هو هذا؛ قيل: هو لم يقل:» نسوا الله فنسوا حظّ أنفسهم «حتى يُقال: هذا هو هذا، بل قال: {نسوا الله فأنساهم أنفسهم} فثَمّ إنساء منه لهم أنفسهم، ولو كان هذا هو الأول لكان قد ذكر ما يعذرهم به لا ما يعاقبهم به. فلو كان الثاني هو الأول لكان: {نسوا الله} أي: تركوا العمل بطاعته فهو الذي أنساهم ذلك. ومعلوم فساد هذا الكلام لفظًا ومعنى. ولو قيل: {نسوا الله} أي: نسوا أمره {فأنساهم} العمل بطاعته، أي: تذكّرها لكان أقرب، ويكون النسيان الأول على بابه. فإنّ مَن نسي نفس أمر الله لم يطعه، ولكن هم فسّروا نسيان الله بترْك أمره، وأمره الذي هو كلامه ليس مقدورًا لهم حتى يتركوه، إنما يتركون العمل به، فالأمر بمعنى المأمور به. إلا أن يقال: مُرادهم بترْك أمره هو ترك الإيمان به، فلمّا تركوا الإيمان أعقبهم بترْك العمل. وهذا أيضًا ضعيف؛ فإن الإيمان الذي تركوه إن كان هو ترْك التصديق فقط فكفى بهذا كفرًا وذنبًا، فلا تُجعل العقوبة ترْك العمل به، بل هذا أشد. وإن كان المراد بترْك الإيمان ترْك الإيمان تصديقًا وعملًا فهذا هو ترْك الطاعة كما تقدّم. وهؤلاء أُتوا من حيث أرادوا أن يفسّروا نسيان العبد بما قيل في نسيان الرّبّ، وذاك قد فسّر بالتّرك، ففسّروا هذا بالتّرك. وهذا ليس بجيد؛ فإنّ النسيان المناقض للذكر جائز على العبد بلا ريب. والإنسان يُعرض عما أُمر به حتى ينساه فلا يذكره. فلا يحتاج أن يُجعل نسيانه تركًا مع استحضارٍ وعلمٍ. وأمّا الرّبّ تعالى فلا يجوز عليه ما يناقض صفات كماله?. وفي تفسير نسيانه الكفار بمجرد التّرك نظر».

<<  <  ج: ص:  >  >>