وذكر ابنُ جرير (١٧/ ٦١٤) أنّ قراءة الضم بمعنى: ما هذا الذي تفعله إلا عادة الأولين مِن قبلنا، وأن الثانية بمعنى: ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين وأحاديثهم. وبنحوه ابنُ كثير (١٠/ ٣٦٠)، وكذا ابنُ عطية (٦/ ٤٩٨ - ٤٩٩). وزاد ابنُ عطية أن قراءة الفتح والتسكين تحتمل أيضًا أن يريدوا: وما هذه البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون، حياة وموت، وما ثَمَّ بعث ولا تعذيب. ورجَّح ابنُ جرير (١٧/ ٦١٦ - ٦١٧ بتصرف) قراءة الضم مستندًا إلى السياق، والقول بأنّ الخلق: العادة؛ الذي قاله ابن عباس من طريق علي، وقتادة، وابن سلام، فقال: «وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة مَن قرأ: {إن هذا إلا خلق الأولين} بضم الخاء واللام ... لأنهم إنما عوتبوا على البنيان الذي كانوا يتخذونه، وبطشهم بالناس بطش الجبابرة، وقلة شكرهم ربهم فيما أنعم عليهم، فأجابوا نبيَّهم بأنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك احتذاءً منهم سُنَّة مَن قبلهم مِن الأمم، واقتفاء منهم آثارهم، فقالوا: ما هذا الذي نفعله إلا خلق الأولين، يعنون بالخلق: عادة الأولين. ويزيد ذلك بيانًا وتصحيحًا لما اخترنا مِن القراءة والتأويل قولهم: {وما نحن بمعذبين}؛ لأنهم لو كانوا لا يُقِرُّون بأنّ لهم ربًّا يقدر على تعذيبهم ما قالوا: {وما نحن بمعذبين}، بل كانوا يقولون: إن هذا الذي جئتنا به -يا هود- إلا خلْق الأولين، وما لنا مِن معذب يعذبنا، ولكنهم كانوا مُقِرِّين بالصانع، ويعبدون الآلهة، على نحو ما كان مشركو العرب يعبدونها، ويقولون: إنها تُقَرِّبنا إلى الله زُلفى، فلذلك قالوا لهود وهم منكرون نبوته: {سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين}، ثم قالوا له: ما هذا الذي نفعله إلا عادة مَن قبلنا وأخلاقهم، وما الله مُعَذِّبنا عليه، كما أخبرنا -تعالى ذِكْرُه- عن الأمم الخالية قبلنا أنّهم كانوا يقولون لرسلهم: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: ٢٣]».