ورَجَّح ابنُ جرير (٧/ ٥٩٨ - ٥٩٩) القول الأول الذي قاله قتادة، ومقاتل، وأبي العالية، مستندًا إلى السياق، فقال: «لأنّ الآية قبلها في قصص أهل الكتابين، أعني: قوله: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}، ولا دلالة تدل على أنّ قوله: {إن الذين آمنوا ثم كفروا} منقطعٌ معناه مِن معنى ما قبله، فإلحاقُه بما قبله أولى، حتى تأتي دلالةٌ دالَّةٌ على انقطاعه منه». وانتقد ابنُ عطية (٣/ ٤٥ - ٤٦) ما رَجَّحه ابنُ جرير مستندًا لمخالفته ظاهر الآية، والسياق، والدلالات العقلية، ورَجَّح القول الثاني الذي قاله مجاهد وابن زيد، فقال: «وقول قتادة ... قول ضعيف، تدفعه ألفاظ الآية، وذلك أنّ الآية إنما هي في طائفةٍ يَتَّصِفُ كلُّ واحد منها بهذه الصفة مِن التردد بين الكفر والإيمان، ثم يزداد كفرًا بالموافاة، واليهود والنصارى لم يترتب في واحد منهم إلا إيمان واحد وكفر واحد، وإنما يتخيل فيهم الإيمان والكفر مع تلفيق الطوائف التي لم تتلاحق في زمان واحد، وليس هذا مقصد الآية، وإنما توجد هذه الصفة في شخص مِن المنافقين؛ لأنّ الرجل الواحد منهم يؤمن ثم يكفر، ثم يوافي على الكفر، وتأمل قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}، فإنّها عبارة تقتضي أنّ هؤلاء محتومٌ عليهم من أول أمرهم، ولذلك ترددوا، وليست هذه العبارة مثل أن يقول: لا يغفر الله لهم. بل هي أشدُّ، وهي مشيرةٌ إلى استدراج مَن هذه حاله وإهلاكِه، وهي عبارة تقتضي لسامعها أن ينتبه ويراجع قبل نفوذ الحتم عليه وأن يكون من هؤلاء، وكلُّ مَن كفر كفرًا واحدًا ووافى عليه فقد قال الله تعالى: إنه لا يغفر له. ولم يقل: لم يكن الله ليغفر له. فتأمَّل الفرق بين العبارتين؛ فإنّه مِن دقيق غرائب الفصاحة التي في كتاب الله تعالى، كأن قوله: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ} حُكْمٌ قد تقرَّر عليهم في الدنيا وهم أحياء». ثم ذكر أنّ الآيات بعدها في المنافقين؛ فيترجَّح أن هذه فيهم كذلك. وعلَّق (٣/ ٤٥) على قول الحسن بن أبي الحسن: أنّ الآية في الطائفة من أهل الكتاب التي قالت: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وجْهَ النَّهارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ} [آل عمران: ٧٢] بأنّه: «جيِّدٌ مُحْتَمل».