وقال ابنُ كثير (١١/ ٣٩ - ٤٠): «وقد استدلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -- بهذه الآية: {إنك لا تسمع الموتى} على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - القتلى الذين ألقوا في القليب قليب بدر بعد ثلاثة أيام، ومعاتبته إياهم، وتقريعه لهم، حتى قال له عمر: يا رسول الله، ما تخاطب مِن قوم قد جيفوا؟ فقال: «والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون». وتأولته عائشة على أنه قال: إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق. وقال قتادة: أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعًا وتوبيخًا ونقمة. والصحيح عند العلماء رواية ابن عمر؛ لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصحِّحًا له، عن ابن عباس مرفوعًا: «ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم، كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه، حتى يرد - عليه السلام -». وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام مَن يخاطبونه فيقول المسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وهذا خطاب لِمَن يسمع ويعقل، ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثارُ عنهم بأنّ الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر».