لسنا هنا بحاجة إلى تكرير ما سبق ذكره والتأكيد عليه من كون الحكم بالصحة الحديثية لا ينحصر في الإسناد ولا ينفصل عن الإسناد، وأن نظر الناقد يتجاوز اتصال الإسناد إلى التثبت من عدم تطرق الخطأ للرواية؛ لأن المعيار الذي عليه المدار غلبة الظن بصواب الرواية أو غلبة الظن بخطئها، وإنما المقصود هنا التنبيه على ثلاثة أمور -وخاصة ثالثها- لها أهميتها البالغة في فهم منهج نقاد المحدثين في إصدار الأحكام على أسانيد المرويات.
الأمر الأول: أن مصطلح الصحة يتنازعه مع المحدثين غيرهم كالفقهاء والأصوليين، ولكن مفهوم الصحة عند الفريقين مختلف؛ فالمتنازع عليه المفهوم لا المصطلح، وسيأتي بيان ذلك قريبًا.
الثاني: الاتصال شرط الصحة: المقصود بالصحة هنا الحكم على الرواية بصحة ثبوتها عن قائلها، والمقصود بالاتصال اتصال الإسناد وخلوه من الانقطاع.
وقد اشترط النقاد شروطًا عليها مدار الحكم بالصحة منها اتصال الإسناد، ولذا لا يطلق نقاد المحدثين وصف الصحة الإسنادية على الخبر الذي لم يتصل إسناده؛ لكون قيد "اتصال السند" أحد قيود الحكم بالصحة، فإذا اجتمعت شروط الصحة في الرواية من عدالة الرواة وضبطهم واتصل سند الرواية وخلت من الشذوذ والعلة حكم عليها بصحة ثبوتها عن قائلها.
الثالث: المنقطع الذي له حكم المتصل: وهو المقصود أساسًا هنا من هذه الممهدات؛ ذلك أن من المنقطع ما له حكم المتصل، فإذا كان المعيار الذي عليه المدار غلبة الظن بصحة الرواية أو غلبة الظن بخطئها أنتج ذلك أن الخطأ المخوف من وقوعه في الرواية لا ينتفي دومًا باتصال الإسناد، ولا يثبت دومًا بانقطاعه، ولهذا فإن النقاد قد يحكمون بضعف ما اتصل سنده، ويجعلود ما انقطع سنده في حكم المتصل لاعتبارات وقرائن أوجبت عندهم ضعف المتصل وصحة المنقطع؛ لأن المدار في الحكم على تحقق صحة النقل عن قائله أو خطئه لا على اتصال سنده.