للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢)}

[قراءات]

٢٤٣٠٥ - عن عبد الرحمن بن غَنمٍ، قال: سألتُ معاذ بن جبل عن قول الحَوارِيِّين: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ}؟ أو: «تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ»؟ فقال: أقرَأَني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هَل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ» بالتاء (١). (٥/ ٥٩٣)

٢٤٣٠٦ - عن عامر الشعبي أنّ عليًّا كان يَقرَؤُها: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ}، قال: هل يُطِيعُك ربُّك (٢). (٥/ ٥٩٣)

٢٤٣٠٧ - عن عبد الله بن عباس أنّه قرأَها: «تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ» بالتاء، وبنصبِ «رَبَّكَ» (٣). (٥/ ٥٩٣)

٢٤٣٠٨ - عن سعيد بن جُبير -من طريق حسّان بن مُخارِق- أنّه قرَأها: «تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ»، وقال: هل تستطيعُ أن تَسأَلَ ربَّك (٤). (٥/ ٥٩٣)

٢٤٣٠٩ - عن يحيى بن وثّاب =

٢٤٣١٠ - وأبي رجاء أنهما قرآ: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} بالياء والرفع (٥) [٢٢٠٨]. (٥/ ٥٩٣)


[٢٢٠٨] اختلف القراء في قراءة {يستطيع}؛ فمنهم من قرأ بالياء ورفع الرب، ومنهم من قرأ بالتاء ونصب الرب.
وذكر ابنُ جرير (٩/ ١١٨) أن قراءة التاء بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك؟ وهل تستطيع أن تدعو ربك؟ وهل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وأما قراءة الياء فتحتمل معنيين: أحدهما: أن يُنَزّل علينا ربك، كما يقول الرجل لصاحبه: أتستطيع أن تنهض معنا في كذا؟ وهو يعلم أنه يستطيع، ولكنه إنما يريد: أتنهض معنا فيه؟ والآخر: هل يستجيب لك ربك ويطيعك أن ينزل علينا؟.
وذكر نحوه ابنُ عطية (٣/ ٢٩٨ - ٢٩٩)، وابنُ كثير (٥/ ٤١٤ - ٤١٥).
وأضاف ابنُ عطية أنّ في قَوْلَة الحواريين {هل يستطيع} بشاعة؛ ولذا مال فريق من الصحابة لقراءة التاء، وساق أثر عائشة التالي، وعلَّق (٣/ ٢٩٩) عليه بقوله: «نزّهَتْهم عائشة - رضي الله عنها - عن بشاعة اللفظ، وإلا فليس يلزمهم منه جهل بالله تعالى على ما قد تبين آنفًا». يعني: على توجيه قراءة الياء بما قد مرَّ.
ورجَّح ابنُ جرير (٩/ ١١٨ - ١١٩) قراءة الياء مستندًا إلى دلالة اللغة، والسياق، والعقل، وذلك أن قوله: {إذ قال الحواريون} من صلة {إذ أوحيت}، فالمعنى: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي إذ قال الحواريون ما قالوا. وفي ذلك دلالة على كره الله لما قالوا، ودعوتهم للتوبة منه. كما تترجّح من جهة أن عيسى استعظم مقالة الحواريين، ولذا ردَّ عليهم بقوله: {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين}، وفي استتابة الله للحواريين واستعظام عيسى لمقولتهم ما يدل على صحة قراءة الياء؛ إذ لو كانت بالتاء لما استُكبِرت هذا الاستكبار. ثم قال (٩/ ١١٩ - ١٢٠ بتصرف): «فإن ظن ظانٌّ أنّ قولهم ذلك له إنما هو استعظام منهم لأن ذلك منهم كان مسألة آية، فإن الآية إنما يسألها الأنبياءَ مَن كان بها مكذبًا ليتقرر عنده حقيقة ثبوتها وصحة أمرها، كما كانت مسألة صالح الناقة من مكذبي قومه، فإن كان الذين سألوا عيسى أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء على هذا الوجه فقد أحلَّهم الذين قرءوا ذلك بالتاء ونصب الرب محلًّا أعظم من المحل الذي ظنوا أنهم يحيدون بهم عنه. أو يكونوا سألوا ذلك عيسى وهم موقنون بأنه لله نبي مبعوث، وأن الله تعالى على ما سألوا من ذلك قادر، فإن كانوا سألوا ذلك وهم كذلك، وإنما كانت مسألتهم إيّاه ذلك على نحو ما يسأل أحدهم نبيَّه إذا كان فقيرًا أن يسأل له ربه أن يغنيه، وإن عرضت به حاجة أن يسأل له ربه أن يقضيها، فإن ذلك من مسألة الآية في شيء، بل ذلك سؤال ذي حاجة عرضت له إلى ربه، فسأل نبيه مسألة ربه أن يقضيها له. وخبر الله تعالى عن القوم يُنبِئ بخلاف ذلك، وذلك أنهم قالوا لعيسى: {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا}، فقد أنبأ هذا من قيلهم أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدقهم، ولا اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوته، فلا بيان أبين من هذا الكلام في أن القوم كانوا قد خالط قلوبهم مرض وشك في دينهم وتصديق رسولهم، وأنهم سألوا ما سألوا من ذلك اختبارًا».
وذَكَر ابنُ عطية (٣/ ٣٠٠) أنّ قول عيسى للحواريين: {اتَّقُوا اللَّهَ} يتخرج على قراءة الياء على أمرين: أحدهما: بشاعة اللفظ. والآخر: إنكار طلب الآيات والتعرض إلى سخط الله بها، والنبوات ليست مبنية على أن تتعنت، وأما على قراءة التاء فلم ينكر عليهم إلا الاقتراح، وقلة طمأنينتهم إلى ما قد ظهر من آياته.

<<  <  ج: ص:  >  >>