للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٣٦٧٥ - قال مقاتل بن سليمان: {وما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى إلّا ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأَعْلى ولَسَوْفَ يَرْضى} وأيضًا، وذلك أنّ أبا بكر? وأرضاه مَرّ على بلال المؤذن، وسيده أُميّة بن خلف الجُمحي يُعذّبه على الإسلام، ويقول: لا أدعك حتى تترك دين محمد. فيقول بلال: أحَد أحَد. فقال أبو بكر?: أتُعذّب عبد الله على الإيمان بالله - عز وجل -؟! فقال سيده أُميّة: أما إنه لم يُفسده عَلَيَّ إلا أنت وصاحبك -يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم --، فاشتره مني. قال: نعم. قال سيده أُميّة: بماذا؟ قال أبو بكر: بعبدٍ مثله على دينك. فرضي، فعمد أبو بكر? إلى عبد، فاشتراه، وقبض أبو بكر بلالًا? وأعتقه، فقال أُميّة لأبي بكر?: لو أبيتَ إلا أن تشتريه بأُوقيّة من ذهب لأعطيتكها. قال أبو بكر?: وأنت لو أبيتَ إلا أربعين أُوقيّة من ذهب لأعطيتكها. فكره أبو قحافة عِتقه، فقال لأبي بكر: أما علمت أن مولى القوم مِن أنفسهم، فإذا أعتقت فأعتق مَن له منظر وقوة. وكان بلال أسود الوجه؛ فأنزل الله - عز وجل - في أبي بكر?: {وما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى} (١). (ز)

[تفسير الآية]

٨٣٦٧٦ - عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: {وما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى}، يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم، إنما عَطيّته لله (٢). (١٥/ ٤٧٨)

٨٣٦٧٧ - قال مقاتل بن سليمان: {وما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى} يقول: يجزيه لذلك، {إلّا} ولكن إنما يُعطي ماله {ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأَعْلى} الرفيع فوق خَلْقه، {ولَسَوْفَ يَرْضى} هذا العبد، يعني: أبا بكر الصِّدِّيق?، وأنّ أبا بكر? اشترى تسعة نفرٍ يُعذّبون على الإسلام؛ منهم بلال المؤذن، وعامر بن فُهَيرة، وأخته، وزِنِّيرة، وابنتها، وحارثة بن عمر، وأم كياس، والنّهدية، وابنتها، كانت لامرأة من بني عبد الدار تضربها على الإسلام، فأَعتقهم أبو بكر الصِّدِّيق? (٣) [٧٢٠٥]. (ز)


[٧٢٠٥] نقل ابنُ جرير (٢٤/ ٤٧٨) عن بعض أهل العربية أنّ معنى الآية: «وما لأحدٍ من خَلْقِ الله عند هذا الذي يؤتي ماله في سبيل الله يتزكى {مِن نِعْمَةٍ تُجْزى} يعني: من يدٍ يكافئه عليها، يقول: ليس يُنفِق ما يُنفِق من ذلك، ويُعطِي ما يُعطِي، مجازاة إنسانٍ يُجازيه على يدٍ له عنده، ولا مكافأةً له على نعمةٍ سلفتْ منه إليه أنعمها عليه، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجْه الله. قال: و {إلا} في هذا الموضع بمعنى: لكن. وقال: يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبَلًا، فيكون معناه: ولم يُرِدْ بما أنفق مكافأةً من أحد، ويكون موقع اللام التي في» أحد" في الهاء التي خفَضَتْها {عِنْدَهُ}، فكأنك قلتَ: وما له عند أحدٍ فيما أنفق من نعمةٍ يلتمس ثوابها. قال: وقد تضعُ العربُ الحرفَ في غير موضعه إذا كان معروفًا، واستَشْهَدوا لِذلك ببيت النّابغة:
وقَدْ خِفْتُ حَتّى ما تَزِيدُ مَخافَتِي عَلى وعِلٍ فِي ذِي المَطارَةِ عاقِلِ".
ثم رجَّحه ابن جرير (٢٤/ ٤٧٩) -مستندًا إلى اللغة، وأقوال السلف- قائلًا: «وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية، وزعم أنه مما يجوز هو الصحيحُ الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل، وقالوا: نزلت في أبي بكر بِعِتْقِه مَن أعتق من المماليك ابتغاء وجْه الله». ثم وجَّه قوله تعالى: {إلّا ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأَعْلى} على هذا المعنى، فقال: "وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء ينبغي أن يكون قوله: {إلّا ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأَعْلى} نصبًا على الاستثناء من معنى قوله: {وما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى}؛ لأنّ معنى الكلام: وما يُؤْتِي الذي يُؤْتِي من ماله ملتمسًا من أحدٍ ثوابه، إلا ابتغاء وجْه ربِّه. وجائزٌ أن يكون نصبُه على مخالفة ما بعد {إلا} ما قبلها، كما قال النّابِغةُ:
وقَفْتُ فِيها أُصَيْلانًا أُسائِلُها عَيَّتْ جَوابًا وما بِالرَّبْعِ مِن أحَدِ
إلّا الأَوارِيُّ لَأْيًا ما أُبَيِّنُها والنُّؤْيُ كالحَوْضِ بِالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ".
وعلَّق ابنُ عطية (٨/ ٦٣٧) على ما رجَّحه ابن جرير قائلًا: «وذهب الطبري إلى أنّ المعنى: وليس يُعطي لِيُثاب نعمًا يُجزى بها يومًا وينتظر ثوابها. وحوَّم في هذا المعنى وحلَّق بتطويل غير مُغْنٍ، ويتَّجه المعنى الذي أراد بأيسر من قوله، وذلك أن يكون التقدير: وما لأحد عنده إعطاءٌ ليقع عليه من ذلك الأحد جزاءٌ بَعْدُ، بل هو لمجرد ثواب الله تعالى وجزائه».

<<  <  ج: ص:  >  >>