وقد رَجَّح ابنُ جرير (٣/ ٤٣١ بتصرف) مستندًا إلى الدلالات العقلية قولَ عبيد بن عمير ومن وافقه مِن أنّ صيامهنَّ «مِن أولِ إحرامه بالحج بعد قضاء عمرته واستمتاعه بالإحلال إلى حجه إلى انقضاء آخر عمل حجه، وذلك بعد انقضاء أيام منى، سوى يوم النحر، فإنه غير جائز له صومه». ثم انتَقَدَ القولَ بجواز صيامهنَّ قبل الإحرام بالحج مستندًا إلى الدلالات العقلية، وعلَّل ذلك بأنّ الله - عز وجل - إنّما أوجب الصوم على من لم يَجِدْ هديًا مِمَّن استمتع بعمرته إلى حَجِّه، ولا يصدق عليه اسمُ المُتَمَتِّع إلا بعد الإحرام، فإذا استحق اسم متمتع لزمه الهَدْيُ، ثم الصوم عند عدم الهَدْيِ، ثم بَيَّن أنّ مَن صام تلك الأيام قبل دخوله في الحج فهو بمنزلة رَجُلٍ مُعْسِرٍ صام ثلاثة أيام ينوي بصومهنَّ كفارةً ليمين يريد أن يحلف بها ويحنث فيها، وذلك ما لا خلاف بين الجميع أنّه غير مجزئ، ثم ذكر أنه لو ظنَّ ظانٌّ أنّ صوم من أراد التمتع قبل إحرامه مجزئٌ عنه، نظير ما أجزأ الحالف بيمين إذا كفر عنها قبل حنثه فيها بعد حلفه بها؛ فقد ظنَّ خطأً؛ لأنّ الله -جَلَّ ثناؤُه- جعل لليمين تحليلًا هو غير تكفير، فالفاعل فيها قبل الحنث فيها ما يفعله المكفر بعد حنثه فيها محلل غير مكفر. والمتمتع إذا صام قبل تمتعه صائم تكفيرًا لِما يظنُّ أنه يلزمه ولما يلزمه، وهو كالمكفر عن قتل صيد يريد قتله وهو محرم قبل قتله، وعن تطيب قبل تطيبه".