ورجَّح ابنُ جرير (١٠/ ٣٥ - ٣٦) مستندًا إلى الدلالة العقلية القول الثاني، واستدل قائلًا: «وليس في إعلامه ذلك -أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -- ما يُوجِب أن يكون نهاه عن قتالهم، لأنّه غيرُ مُحالٍ أن يُقال في الكلام: لست من دين اليهود والنصارى في شيءٍ، فقاتِلْهم، فإنّ أمْرَهم إلى الله في أن يتفضَّل على مَن شاء منهم فيتوب عليه، ويُهلِك مَن أراد إهلاكه منهم كافرًا، فيقبِضَ روحه، أو يَقْتُلَه بيدك على كفره، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون عند مَقْدَمهم عليه». ثم انتَقَد مستندًا إلى عدم الدليل القولَ بنسخ الآية، فقال: «وإذ كان غيرُ مستحيلٍ اجتماع الأمر بقتالهم وقوله: {لَسْتَ مِنهُمْ فِي شَيْءٍ إنَّما أمْرُهُمْ إلى اللَّهِ}، ولم يكن في الآية دليلٌ واضحٌ على أنها منسوخةٌ، ولا ورد بأنها منسوخةٌ عن الرسولِ خبرٌ، كان غير جائزٍ أن يُقْضى عليها بأنها منسوخةٌ حتى تقوم حجةٌ موجِبَةٌ صحة القول بذلك؛ لِما قد بيَّنّا من أنّ المنسوخ هو ما لم يَجُزِ اجتماعه وناسخه في حالٍ واحدةٍ ... ». وانتقد ابنُ عطية (٣/ ٥٠٢) قول السدي بأنّ الآية منسوخة، فقال: «وهذا كلام غير متقن، فإنّ الآية خبرٌ لا يَدخُله نسخ». غير أنه وجَّهه بقوله: «ولكنها تضمنت بالمعنى أمرًا بالموادعة، فيُشبه أن يُقال: إنّ النسخ وقع في ذلك المعنى الذي تقرَّر في آيات أُخَر».