للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن الأمثلة التي تدل على أهمية معرفة أحوالهم في التفسير:

ما رواه البخاري (ت: ٢٥٦ هـ) في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨]، عن ابن عباس (ت: ٦٨ هـ)، قال: "كانت عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أسواقًا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨]؛ في مواسم الحج" (١).

ومثله ما رواه البخاري (ت: ٢٥٦ هـ) عن عائشة (ت: ٥٨ هـ)، قالت: "كانت قريش ومن دان دينها يقفون المزدلفة، وكانوا يسمون الْحُمْسَ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر اللَّه نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩] " (٢).

[٣ - أنهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن]

لمّا كان القرآن نزل بلغتهم، فإنهم أعرف به من غيرهم، وهم في مرتبة الفصاحة العربية، فلم تتغير ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا في الفصاحة، لذا فهم أعرف من غيرهم في فهم الكتاب والسُّنَّة، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده من هذه الجهة (٣).

كما أن ما نقل عنهم من كلام أو تفسير فإنه حجة في اللغة، وفيه بيان لصحة الإطلاق في لغة العرب، قال ابن حجر: "استشكل ابن التين قوله: (ناسًا من الجن) من حيث إن الناس ضد الجن.

وأجيب بأنه على قول من قال: إنه من ناس: إذا تحرك، أو ذكر للتقابل، حيث قال: (ناس من الناس)، (وناسًا من الجن)، ويا ليت شعري، على من يعترض؟! " (٤).


(١) صحيح البخاري برقم (٤٥١٩)
(٢) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩]، برقم (٤٥٢٠).
(٣) ينظر: الموافقات للشاطبي ٤/ ١٢٨.
(٤) فتح الباري ٨/ ٢٤٩ في شرح أثر عبد اللَّه بن مسعود في تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء]، قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن، فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>