[المطلب الثاني ارتباط أركان المنهج النقدي بمعيار نقد الأخبار]
سَلَفَ القولُ بأن معيار القبول والرد يتحرك في فضاء واسع، وأنه مع ذلك له محددات تضبط حركته وتوجه سيره؛ وهذه المحددات هي ذاتها أركان الخبر، وسنبين تلك المحددات فيما يأتي:
* المحدد الأول: مضمون الخبر وقدْرُه وأثرُه:
وهو أكبر أركان الخبر؛ بل هو الخبر ذاته، وهو المحدد الأكبر لمعيار القبول والرد، والركنان الآخران مرتبطان به ومترتبان عليه في كثير من تفاصيلهما.
ذلك أن الأخبار تتفاوت مضامينها وموضوعاتها، ويختلف تبعًا لذلك -في الشريعة- قدْرُها وأثرُها؛ فالخبر الذي موضوعه أسماء اللَّه وصفاته وما يختص به لا يساويه غيره، والخبر المتعلق بالغيب غير مضمون الخبر المتعلق بالشاهد، ومضمون الخبر المتعلق بالدماء غير مضمون الخبر المتعلق بالأموال، ومضمون الخبر المتعلق بالتشريع ليس كمضمون الخبر المتعلق بغير التشريع، ومضمون الخبر المتعلق بالتاريخ ليس كمضمون الخبر المتعلق بالتفسير أو الأنساب.
ولما كان مقتضى الحكمة والعقل عدم التسوية بين كل هذه المضامين، واعتبار التفاوت القائم بينها، ومراعاة اختلاف الآثار والغايات المرتبطة بكل منها جاء منهج نقد الأخبار لدى المحدثين مؤسسًا على مقتضى تلك الحكمة وذلك العقل، ولذا كان من أولويات هذا المنهج التي استند إليها في قبول الأخبار وردها مراعاة مضامين الأخبار وموضوعاتها، وعدم إجرائها على نسق واحد، ولا معاملتها بمقياس واحد؛ بل لكل مضمون من درجات التشدد أو التساهل في القبول أو الرد ما يناسبه، ويلائم قدره، ويوائم غايته وأثره. وهذا الاختلاف في شروط القبول والرد بحسب المضامين يؤول في النهاية إلى تحقيق المعيار الذي عليه المدار في كل تلك الأخبار؛ وهو الوصول إلى غَلَبَةِ الظن المقتضية لقبولها أو ردها، والتي تتفاوت هي ذاتها في عسر