كل رواية ما تستحق، ويحكم على الراوي الواحد ساعة بقبول روايته، وساعة أخرى بردِّها؛ لا عن هوى بل عن بصرٍ وعلم، فليس ثَمَّ -في الغالب- أمور قاطعة، أو قواعد صارمة، أو أحكام عامة شاملة يصلح إجراؤها على كافة الرواة والمرويات والفنون والمضامين، بحيث تصير أشبه بالمعادلات الرياضية التي لا بد أن تُنْتِجَ مقدماتُها نتائجَها، وهذا سر جلالة هذا المنهج ورقيّه، وسر عمقه وتشعبه.
ولا يعني ما سبق أن هذا المعيار متروك في بحر الرواية يسبح به كل ناقد كيف شاء في أي اتجاه وفي أي طريق بلا ضابط ولا رابط، كلا؛ بل ذلك المعيار له محددات كبرى تضبط اتجاهه، وأطر كلية تؤطر حركته، ومعالم عامة توجه مساره، ومن رحم تلك المحددات تتولد غلبة الظن، وهذه المحددات هي أركان الخبر الثلاثة السابق ذكرها، وهذا يؤكد ما سلف من إمساك المحدثين بمعاقد أركان الخبر وتأسيسهم منهجهم النقدي عليها، وذلك يستدعي منا إلماحًا إلى أركان الخبر، وبيان الارتباط الوثيق بينها وبين معيار القبول والرد، وما يتعلق به من إجراءات وآليات.