للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بدأت تنشر آراءها، موظفة علم الكلام الذي برز حينئذ إثر ترجمة كتب الأمم السابقة، كذلك دُوِّنت مصنفات توضح معتقداتها وتُزَيُّنها للناس، حتى ولجت إلى كتاب اللَّه تفسره حسب أهوائها ومعتقداتها، فبدأ ظهور تفاسير المعتزلة في أواخر هذا العصر، وما بعده، كتفسير أبي بكر بن كيسان الأصم (ت: قيل: ٢٠١ هـ، وقيل: ٢٢٥ هـ)، ويوسف بن عبد اللَّه الشحام (ت: ٢٣٣ هـ) (١).

والأخطر من ذلك هو محاولتهم الدعوة إلى مذهبهم للوصول إلى بلاط الحكام، الذين كانوا في بداية هذا العصر صخرة قوية تحطم تلك المعتقدات، خصوصًا الخليفة المهدي الذي تنبه لخطر الزنادقة وأفناهم، لكن في أواخر هذا العهد استطاع المعتزلة الوصول إلى الحكام، فاتصلوا بالخليفة المأمون وتمكنوا من إقناعه بمعتقدهم، فكان عهده آخر عهد الأتباع، وفيه "ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرًا شديدًا" (٢).

من جهة أخرى نجد بعض كبار مفسري أتباع التابعين قد اتهم ببعض تلك البدع مما أثر تأثيرا سلبيًّا في مدى الإفادة منه، وقبول تفسيره ومروياته، ولعلنا نضرب مثالًا باثنين من أشهر مفسريهم، هما:

[أ - محمد بن السائب الكلبي]

الذي قال عنه الذهبي: "أجمعوا على تركه، واتهم بالأخوين: الكذب والرفض" (٣). لذا لم يحفل أغلب أئمة نقلة التفسير -كالطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم- بتفسيره، ولا سيما ما يرويه، إِلا القليل (٤)، ومن هنا لم تصل آثاره الاجتهادية في هذه الموسوعة إلى مستوى الطبقات الأولى من المكثرين، مع أنه من أئمة التفسير روايةً ودرايةً (٥).

[ب - مقاتل بن سليمان]

اتُّهم في عقيدته، بأنه كان مُجَسِّما يُشبِّه اللَّهَ بخلقه، كما عُرف عنه الكذب في


(١) ينظر: التفسير اللغوي للدكتور مساعد الطيار ص ٢٦٩، ٥٧٦.
(٢) فتح الباري ٧/ ٦.
(٣) تاريخ الإسلام ١٤/ ٤٤٨، العبر ١/ ٣٨.
(٤) ينظر تفصيل ذلك في كتاب: تفسير أتباع التابعين ص ٥١ - ٥٣.
(٥) ينظر توضيح ذلك في: الدراسة التالية عن مفسري السلف ومراتبهم في التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>