ووجَّه ابنُ جرير (١٤/ ٥٨ - ٥٩) القول الثاني بقوله: «وكأنهم وجَّهوا ذلك إلى أنّه مِن قولهم: صَلَّ اللحم وأصَلَّ: إذا أنتن، يقال ذلك باللغتين كليهما: بـ (فَعَلَ) و (أفْعَلَ)». ورجَّح القول الأول مستندًا إلى النظائر، والدلالة العقلية، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي وما في معناه، وعلَّل ذلك بـ «أنّ الله تعالى وصفه في موضعٍ آخر، فقال: {خَلَقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كالفَخّارِ} [الرحمن: ١٤]، فشبَّهه -تعالى ذِكْرُه- بأنّه كان كالفخّار في يُبْسِه، ولو كان معناه في ذلك: المنْتِن؛ لم يُشَبِّهْه بالفخّار، لأنّ الفخّار ليس بمنتنٍ فيُشَبَّه به في النَّتْنِ غيرُه». وبنحوه ابنُ كثير (٨/ ٢٥٥). [٣٦٠٣] نَقَل ابنُ عطية (٥/ ٢٨٧) قول ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة: أنّ المسنون: الرطب. ثم علَّق عليه بقوله: «وهذا تفسير لا يخص اللفظة». ووجَّه القول الثاني، ثم انتقده، فقال: «وهو مِن: أسِن الماءُ، إذا تغيّر، والتصريف يرُدُّ هذا القول». ثم ذكر (٥/ ٢٨٧ - ٢٨٨) احتمالين لمعنى {مسنون}، فقال: «والذي يترتب في {مَسنون} إما أن يكون بمعنى: محكوك مُحْكَم العمل أملس السطح، فيكون مِن معنى: المسنّ والسنان، وقولهم: سننت السكين، وسننت الحجر: إذا أحكمت مَلْسه، ... وإما أن يكون بمعنى: المصبوب، تقول: سنَنتُ التراب والماء، إذا صبَبْتَه شيئًا بعد شيءٍ، ... ومِن هذا: سنُّ الغارة، وقال الزجاج: هو مأخوذ من كونه على سُنَّة الطريق؛ لأنّه إنّما يتغير إذا فارق الماء». ثم وجَّه هذا المعنى بقوله: «فمعنى الآية على هذا: مِن حمأٍ مصبوب يوضع بعضه فوق بعض على مثال وصورة».