وفي كلا الموضوعين تفاصيل تحتاج إلى تجلية وتوضيح، لكثرة ما وقع من اللبس فيهما، بسبب عدم دقَّة المصطلحين على هذه القسمة الرباعية، وسأذكر بعض ذلك هنا.
أولًا: ما يتعلق بصحة دخول هذه الأنواع في مسمى (المأثور):
إن جعل التفسير بالمأثور أربعة أنواع غير دقيق؛ إذ لا ينطبق عليها جميعها، بل يدخل فيها ما ليس منها، ويخرج منها ما هو من جنسها، لذا فهو مصطلح غير جامع ولا مانع لسببين:
السبب الأول: أن المأثور -كما سبق- هو ما أثر عمن سلف، ويطلق في الاصطلاح على ما أثر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم.
فهل ينطبق هذا على تفسير القرآن بالقرآن؟
إن تفسير القرآن بالقرآن لا نقل فيه حتى يكون طريقه الأثر، بل هو داخل ضمن تفسير من فسّر به:
° فإن كان المفسِّر به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو من التفسير النبوي، وحقُّه القبول، ولا مجال للرأي فيه.
° وإن كان المفسِّر به الصحابي، فهو اجتهاد منه، ويأخذ حكم تفسير الصحابي.
° وإن كان المفسِّر به التابعي، فهو اجتهاد منه، ويأخذ حكم تفسير التابعي.
° وإن كان المفسِّر به من هو دونهم، فيأخذ حكم تفسيرهم كذلك.
وليست المسألة هنا عن كيفية وصول القرآن إلينا، وهي النقل، لكن الكلام عن كيفية التعامل مع هذا المنقول، وربط بعض آياته ببعض، وهذا الربط على سبيل التفسير والبيان هو من اجتهاد المفسر، وليس كل اجتهاد ملزمًا، بل نعود إلى شرائط القبول للأقوال، فنُعمِلها هنا، كما نُعمِلها في التفسير المعتمد على اللغة وغيرها، إذ قصارى الأمر أن المفسِّر اعتمد على (القرآن) في بيان القرآن، كما يعتمد على (اللغة) في بيان القرآن.
السبب الثاني: أن العمدة في معرفة طبقات المفسرين من السلف الذين يدخلون في مصطلح (المأثور) عمل المفسرين الناقلين لأقوالهم، وإذا رجعنا إلى مثل تفسير عبد بن حميد (ت: ٢٤٩ هـ)، والطبري (ت: ٣١٠ هـ)، وابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧ هـ)، وغيرهم، وجدناهم قد نقلوا الوارد عن أتباع التابعين، واعتنوا به، وفلما نجد نقلًا عن الطبقة