واختُلِف في معنى: {إذًا لابْتَغَوْا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلًا} في هذه الآية على قولين: الأول: لطلب هؤلاء الآلهة الزلفى إلى ذي العرش، والقربة إليه بطاعته. الثاني: لابتَغَوْا إليه سبيلًا في إفساد مُلْكِه، ومُضاهاته في قدرته. ووجَّه ابنُ عطية (٥/ ٤٨٤) القول الأول بقوله: «فيكون السبيل -على هذا التأويل- بمعناها في قوله تعالى: {فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل: ١٩]». ووجَّه (٥/ ٤٨٥) القول الثاني بقوله: «وعلى هذا التأويل تكون الآية بيانًا للتمانع، وجاريةً مع قوله تعالى: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتا} [الأنبياء: ٢٢]». ورجَّح ابنُ تيمية (٤/ ٢١٧) مستندًا إلى القرآن، ودلالة ظاهر اللفظ، والدلالة العقلية القول الأول، فقال: «والأول هو الصحيح، فإنه قال: {لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ}، وهم لم يكونوا يقولون: إنّ آلهتهم تمانعه وتغالبه، بخلاف قوله: {وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ} [المؤمنون: ٩١]، فهذا في الآلهة المنفية، ليس فيه أنها تعلو على الله، وأن المشركين يقولون ذلك. وأيضًا فقوله: {لابْتَغُوا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلا} يدل على ذلك، فإنه قال تعالى: {إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلا} [المزمل: ١٩]، والمراد به: اتخاذ السبيل إلى عبادته وطاعته، بخلاف العكس، فإنه قال: {فَإنْ أطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: ٤٣]، ولم يقل: إليهن سبيلًا. وأيضًا فاتخاذ السبيل إليه مأمور به، كقوله: {وابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ} [المائدة: ٣٥]، وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ ولا تَحْوِيلا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أيُّهُمْ أقْرَبُ ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخافُونَ عَذابَهُ} [الإسراء: ٥٦ - ٥٧]. فبين أن الذين يُدعَون من دون الله يطلبون إليه الوسيلة، فهذا مناسب لقوله: {لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إذًا لابْتَغُوا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلا}».