[المبحث الخامس أبرز العوامل والأحداث التاريخية المؤثرة في تفسير السلف]
تقدم في المباحث السابقة عرض موجز لأهم الأحداث التاريخية في عهد السلف، إضافة إلى معالم التفسير في طبقات السلف الثلاث، وفي هذا المبحث نحاول الإلمام بأبرز تلك الأحداث والعوامل التاريخية التي كان لها الأثر الواضح في توسع تفسير القرآن وتطوره عما كان عليه في العهد النبوي، مع زيادة إيضاح بالأمثلة، وذلك فيما يلي:
[١ - الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام]
تقدم أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا عربًا أقحاحًا، نزل القرآن بلغتهم وأسأليبهم، فأدركوا معانيه، ولم يشكل عليهم إِلا القليل مما احتاجوا إلى بيانه من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مما جعل التفسير النبوي الصريح قليلًا، وكان نطاق مرويات التفسير ضيقًا، إِلا إنه حين دخل في الإسلام أمم من غير العرب أشكل عليهم فهم كثير منه بحكم كونهم ليسوا من أهل لغته العارفين لأسأليبها، فاتجهوا إلى الصحابة يسألونهم عما كان عند الصحابة بدهيًّا واضحًا جليًّا، مما كان لا يُفسر بينهم لوضوحه، فاضطر الصحابة لبيانه لهم، وتفسير آيات كثيرة من كتاب اللَّه لم يحتاجوا من قبل لتفسيرها وتوضيحها، فاتسع التفسير بذلك، وزادت مروياته كثيرًا.
وغموض بعض معاني القرآن الواضحة لم تكن قصرًا على هؤلاء الأعاجم فحسب، بل كذلك نشأ جيل من العرب ظهر فيهم اللحن بسبب اختلاطهم بالعجم، وبعدوا عن لغة العرب الصافية، وأساليبها الرصينة، حتى قرؤوا القرآن لحنًا، وأوَّلوا معانيه خطًا، وصارت بعض ألفاظه من الغريب عندهم، مما كان واضحًا عند من قبلهم.