ووجَّه ابنُ جرير (١٧/ ٣٦٧) القول الأول بقوله: «فمعنى الكلام على تأويل هؤلاء: ليس عليكم أيها الناس في الأعمى حرجٌ أن تأكلوا منه ومعه، ولا في الأعرج حرج، ولا في المريض حرج، ولا في أنفسكم، أن تأكلوا من بيوتكم. فوجَّهوا معنى {على} في هذا الموضع إلى معنى: في». ورجَّح (١٧/ ٣٧١ - ٣٧٢) مستندًا إلى الأغلب لغة القول الثالث، وهو قول الزهري، وعبيد الله بن عبد الله، وانتقد القول الأول، وعلَّل ذلك بأن «أظهر معاني قوله: {لَيْسَ عَلى الأَعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأَعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى المَرِيضِ حَرَجٌ}: أنه لا حرج على هؤلاء الذين سُمُّوا في هذه الآية أن يأكلوا من بيوت من ذكره الله فيها، على ما أباح لهم من الأكل منها. فإذ كان ذلك أظهر معانيه فتوجيه معناه إلى الأغلب الأعرف من معانيه أوْلى من توجيهه إلى الأنكر منها. فإذ كان ذلك كذلك كان ما خالف من التأويل قول من قال: معناه: ليس في الأعمى والأعرج حرج أولى بالصواب». ورجَّح ابنُ عطية (٦/ ٤٠٩) مستندًا إلى ظاهر الآية: «أنّ الحرج مرفوع عنهم في كل ما يضطرهم إليه العذر، وتقتضي نيتهم الإتيان فيه بالأكمل، ويقتضي العذر أن يقع منهم الأنقص، فالحرج مرفوع عنهم في هذا». وانتقد ابنُ جرير (١٧/ ٣٧٣) القول الثاني مستندًا إلى ظاهر لفظ الآية، والدلالة العقلية بأنه لا «معنى لقول مَن قال: إنما أُنزِلَت هذه الآية من أجل كراهة المستَتْبَع أكل طعام غير المُسْتَتْبِع؛ لأن ذلك لو كان كما قال مَن قال ذلك لقيل: ليس عليكم حرج أن تأكلوا من طعام غير من أضافكم، أو من طعام آباء من دعاكم، ولم يقل: {أنْ تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ}». وانتقد القول الرابع مستندًا إلى اللغة، فقال: «وكذلك لا وجْه لقول من قال: معنى ذلك: ليس على الأعمى حرجٌ في التخلُّف عن الجهاد في سبيل الله؛ لأن قوله: {أنْ تَأْكُلُوا} خبر {لَّيْسَ}، و {أنْ} في موضع نصبٍ على أنها خبرٌ لها، فهي متعلقة بـ {لَّيْسَ}، فمعلوم بذلك أن معنى الكلام: ليس على الأعمى حرجٌ أن يأكل من بيته. لا ما قاله الذين ذكرنا من أنه لا حرج عليه في التخلف عن الجهاد». ثم ذكر (١٧/ ٣٧٣ - ٣٧٤ بتصرف) بأنّ معنى الكلام: «لا ضيق على الأعمى، ولا على الأعرج، ولا على المريض، ولا عليكم أيها الناس، أن تأكلوا من بيوت مَن سَمّى الله في هذه الآية إذا أذِنوا لكم في ذلك عند مَغِيبِهم ومَشْهَدِهِم».