للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - فتنة مقتل عثمان -رضي اللَّه عنه-، والأحداث المترتبة على ذلك:

وهي أعظم بلية، وأكبر رزية نُكب بها المسلمون بعد وفاة رسولهم -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا زلنا نكتوي بآثارها إلى اليوم، افترق المسلمون إثرها إلى حزبين متناحرين، والحدث معلوم وليس هذا مقام بسطه، لكن نلخص أهم الأحداث الناتجة عن ذلك والتي أثَّرت في التفسير تأثيرًا واضحًا فيما يلي:

أ - انتقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- من المدينة إلى الكوفة، وانتقال ابن عمه حبر الأمة وترجمان القرآن عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما- معه، وتوليه البصرة له، وما نتج عن ذلك من نشر علمهما -لا سيما التفسير- في تلك البلاد، وظهور تلاميذ علي بن أبي طال هناك، خصوصًا أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- كانت له مجالس علمية، وكان يحثهم على سؤاله عن القرآن والأحكام ويقول: "سلوني، فواللَّه لا تسألوني عن شيء إِلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب اللَّه، فواللَّهِ ما من آية إِلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل، أم في جبل" (١)، وسيأتي مزيد بيان لذلك.

ب - باستشهاد علي -رضي اللَّه عنه- عام ٤٠ هـ ومن بعده تنازل ابنه الحسن عن الخلافة لمعاوية، واجتماع المسلمين عليه نجد أن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- اعتزل الفتنة وما ترتب عليها، ورحل إلى الحجاز واستقر بها متفرغًا لنشر العلم، والتصدي لتفسير القرآن بقية عمره، فلزمه طلابه وعكفوا على دروسه، وهو في المقابل اعتنى بتأهليهم للفتوى، وأشرف على تصديهم للتفسير، حتى نبغوا ونقلوا علمه، فكان أكثر الصحابة رواية في التفسير، واجتهدوا وفق ما رباهم عليه، فكانوا أعلم السلف بالتفسير كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (٢)، وكان منهم أكثر التابعين تفسيرًا للقرآن، كما تقدم.

ت - كان للأحداث المتعاقبة المترتبة على تولى يزيد بن معاوية الخلافة أثر كبير في التفسير، ابتداء باستشهاد الحسين -رضي اللَّه عنه-، ويوم الحرة، ثم وفاة يزيد وتصدع الدولة الأموية في فرعها السفياني، ثم قيام الفرع المرواني على يد عبد الملك بن مروان، الذي أطلق يد قواده في سفك الدماء وقتل العلماء لأجل تثبيت دعائم دولته، يظهر ذلك جليًّا في أعمال أميره على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي قتل ابن الزبير -رضي اللَّه عنهما- بمكة، وآذى ابن عمر وأنس بن مالك -رضي اللَّه عنهم- وقتل عددًا من مفسري التابعين وكبارهم، خصوصًا بعد وقعة دير الجماجم في فتنة ابن الأشعث، حيث تتبع


(١) أخرجه ابن سعد في طبقاته ٢/ ٣٣٨.
(٢) مقدمة في أصول التفسير ص ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>