للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس، فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين. وقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين، وأما معاذ فمات عام طاعون عمواس، وأما عبادة فصار بعد إلى فلسطين فمات بها، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات" (١).

ولما مُصِّرت الكوفة أرسل إليها عمر -رضي اللَّه عنه- صحابيين جليلين من كبار الصحابة، فعن حارثة بن المضرب، قال: قرأت كتاب عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة: "أما بعد فإني بعثت إليكم عمارًا [أي: ابن ياسر] أميرًا، وعبد اللَّه [أي: ابن مسعود] معلِّمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاسمعوا لهما واقتدوا بهما، وإني قد آثرتكم بعبد اللَّه على نفسي أثرة" (٢). وعن عامر الشعبي: أن مهاجر عبد اللَّه بن مسعود كان بحمص، فحدره عمر إلى الكوفة، وكتب إليهم: "إني واللَّه الذي لا إله إِلا هو آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه" (٣). فأشاع ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- العلم في أهل الكوفة، فكان أصحابه من كبار التابعين وأعلمهم بالقرآن والأحكام، حتى إن علي بن أبي طالب حين نزلها بعد وفاة ابن مسعود ورأى أصحابه قال فيهم: "أصحاب عبد اللَّه سرج هذه القرية" (٤).

وهكذا البصرة ولَّى عمرُ أبا موسى الأشعري على أهلها، يعلِّمهم ويقضي بينهم، فعن أنس بن مالك أنه قال: "بعثني الأشعري إلى عمر فقال لي عمر: كيف تركت الأشعري؟ فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن، فقال: أما إنه كيِّس، ولا تسمعها إياه" (٥)، كما بعث إليهم عمران بن حصين (ت: ٥٢ هـ)، فعن أبي الأَسود الدؤلي قال: "قدمت البصرة وبها عمران بن حصين، وكان عمر بعثه ليفقه أهلها" (٦)، وكان أنس بن مالك (ت: ٩٣ هـ) من أشهر من نزل البصرة من الصحابة، وطال مقامه فيها حتى كان آخرهم وفاة بها.


(١) أخرجه ابن سعد في طبقاته ٢/ ٣٥٦، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٦/ ١٩٤، ٤٧/ ١٣٨.
(٢) أخرجه ابن سعد في طبقاته ٦/ ٧.
(٣) المصدر السابق ٣/ ١٥٧.
(٤) أخرجه ابن سعد في طبقاته ٦/ ١٠.
(٥) أخرجه ابن سعد في طبقاته ٢/ ٣٤٥.
(٦) أورده الحافظ ابن حجر في الإصابة، ت: مركز هجر للبحوث ٧/ ٤٩٦، وذكر أن الطبراني أخرجه بسند صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>