ورجَّحَ ابنُ جرير (١٤/ ٣٦١ - ٣٦٢) القولَ الأولَ استنادًا إلى القرآن، وقال مُعَلِّلًا اختياره، ومسْتَدْرِكًا على القول الثاني: «ذلك أن الذين يتولون الشيطان إنما يشركونه بالله في عبادتهم، وذبائحهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، لا أنهم يشركون بالشيطان، ولو كان معنى الكلام ما قاله الربيع لكان التنزيل: الذين هم مشركوه. ولم يكن في الكلام {به}، فكان يكون لو كان التنزيل كذلك: والذين هم مشركوه في أعمالهم، إلا أن يوجِّه مُوَجِّه معنى الكلام إلى أن القوم كانوا يدينون بألوهة الشيطان، ويشركون الله به في عبادتهم إياه، فيصِحُّ حينئذ معنى الكلام، ويخرج عما جاء التنزيل به في سائر القرآن، وذلك أن الله تعالى وصف المشركين في سائر سور القرآن أنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به عليهم سلطانًا، وقال في كل موضع تقدم إليهم بالزجر عن ذلك: لا تشركوا بالله شيئًا، ولم نجد في شيء من التنزيل: لا تشركوا الله بشيء، ولا في شيء من القرآن خبرًا من الله عنهم أنهم أشركوا الله بشيء، فيجوز لنا توجيه معنى قوله: {والذين هم به مشركون} إلى: والذين هم بالشيطان مشركو الله، فبين إذًا -إذ كان ذلك كذلك- أن الهاء في قوله: {والذين هم به} عائدة على» الرب «في قوله: {وعلى ربهم يتوكلون}». وذَهَبَ ابنُ عطية (٥/ ٤٠٧) إلى القول الثالث مستندًا إلى اللغة، حيث قال عن الضمير في {به}: «الظاهر أنه يعود على اسم إبليس، بمعنى من أجله وبسببه، كما تقول لمعلمك: أنا عالم بك. أي: بسببك، فكأنه قال: والذين هم بسببه مشركون بالله».