وتفسيرهم للإذن بأنه (العلم) فقط، فيه قصر للفظ على جزء من معناه ليوافق رأيهم في خلق أفعال العباد، وأن اللَّه -بزعمهم- لا يخلق الشَّرَّ.
والصحيح أن هذا من الإذن الكوني، والأمور الكونية من خلق اللَّه، ويقع فيها ما يُحبه اللَّه وما لا يُحبه، والإذن فيه معنيان متلازمان:(العلم)(والإباحة)، وبهما يكون إذنا، ولا يصلح تصوره فضلًا عن وجوده بأحدهما دون الآخر.
ومن أمثلته -أيضًا- ما ذكره ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) في تفسير لفظ (تبارك)، قال:"وقال بعض المفسرين: يمكن أن يقال: هو من البروك، فيكون "تبارك" ثبت ودام أزلًا وأبدًا، فيلزم أن يكون واجب الوجود؛ لأن ما كان وجوده من غيره لم يكن أزليًّا.
وهذا قد يقال: إنه جزء المعنى، فتبارُكُه سبحانه يجمع هذا كلَّه: دوام وجوده، وكثرة خيره، ومجده، وعلوه، وعظمته، وتقدُّسه، ومجيء الخيرات كلها من عنده، وتبريكه على من شاء من خلقه.
وهذا هو المعهود من ألفاظ القرآن كلها أنها تكون دالة على جملة معان، فيعبَّر هذا عن بعضها، وهذا عن بعضها، واللفظ يجمع ذلك كله، وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع" (١).
[٥ - التفسير السياقي]
التفسير السياقي: هو المراد باللفظة في سياق معين، إذ قد يكون المعنى اللغوي هو المراد لغة وسياقًا، وقد يكون المراد به في السياق نوعًا مما ينطبق عليه المعنى اللغوي، فيكون ذلك هو المعنى السياقي المراد.
ومن الأمثلة التي توضح ذلك أنك إذا قلت: المراد بالعاديات من قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}[العاديات: ١]: التي تعدو كان ذلك تفسيرًا لفظيًّا، وإذا قلت: المراد بالعاديات: الخيل كان ذلك تفسيرًا سياقيًّا؛ أي: المراد بالتي تعدو في هذا السياق؛ ولا يقال: الإبل؛ لأن الإبل لا تضبح إذا عدت؛ فالضبح تنفس الخيل.