٥ - بمناقشة أصول هذه المدارس ومعلميها ثم امتدادها الزمني نجد القول بأن على رأس المدرسة الكوفية ابن مسعود، وعلى رأس المدرسة المكية ابن عباس، وابن عباس في طبقة تلاميذ ابن مسعود، وأصل تعلم ابن مسعود في المدينة عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم عن عمر حيث كان لا يجاوز قوله، كذلك ابن عباس أخذ عن كبار الصحابة وعلى رأسهم عمر وعلي وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت، إذن ابن عباس يلتقي مع ابن مسعود في عمر وقبل ذلك في الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعليه فالمنهج واحد، والقول بأن ابن مسعود أغلق باب الاجتهاد وربى تلاميذه على الآثار وعدم الخوض في القرآن، مروي عن عمر، وكذلك القول بأن ابن عباس ربى طلابه على الاجتهاد هو منهج عمر الذي رباه عليه، إذن المنهج واحد ومن مشكاة واحدة.
٦ - على فرض أن هذه هي مدارس التفسير؛ فأين نضع من كان من غير هذه الأمصار من أعلام المفسرين، كالضحاك بن مزاحم الخراساني، وعطاء الخراساني، ثم من بعدهم كالمقاتلَين -ابن سليمان وابن حيان- البلخيَّين الخراسانيين؟
* الأظهر في المسألة:
بعد ما تقدم من الملحوظات السابقة على مدارس التفسير يأتي السؤال: ما الداعي لهذه المصطلحات مع اتفاقنا على أن منهج السلف في التفسير واحد؟ لا سيما مع ما يحدثه ذلك من لبس وتناقض ومفارقات.
لذا؛ لعل الأولى والأظهر القول بعدم وجود مدارس تفسيرية مختلفة المناهج، وأن الأمر لا يعدو سوى اختيارات شخصية وقناعات ومسألك فردية، لهؤلاء الصحابة وبعدهم التابعون، مثله كمثل أمور الفتوى والقضاء والتعليم، فبعضهم يرى أفضلية نشر العلم والتصدي للفتوى عمومًا، والبعض الآخر يرى أهمية البعد عن الناس ورفض الفتوى والإقبال على العبادة والاجتهاد فيها، ولكل من المسلكين مأخذ من السُّنَّة، ودليل من الشرع، ولكل وجهة هو موليها. وفي هذا يقول ابن جرير الطبري: "وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإنَّ فِعْلَ من فَعَلَ ذلك منهم كفِعْلِ من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن اللَّه جلَّ ثناؤه، لم يقبض نبيّه إليه إِلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن للَّه في كل نازلة وحادثة حكمًا موجودًا، بنص أو دلالة، فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك، إحجام جاحد أن يكون للَّه فيه حكم موجود بين أظهر