دائرة قبول الخبر أوسع من دائرة الصحة الثبوتية بمفهوم المحدِّثين؛ فقد يقبل المفسرون والفقهاء والأصوليون وغيرهم ما لم يقبله المحدثون، ويحكمون بصحة ما ضعفه المحدثون، لكن مفهوم الصحة عندهم يباين مفهوم الصحة عند المحدثين؛ فصحة الخبر أو عدم صحته عند المحدثين دائرة على ثبوت الخبر عن قائله أو عدم ثبوته، وأما صحته عند غيرهم فلا تنحصر في دائرة الثبوت بل ترتبط به وبغيره من المعايير الأخرى بعد التثبت من صحة معنى الخبر وسلامة مضمونه. وبيان ذلك أن زاوية النظر في المنهج الحديثي على ثبوت الخبر عن قائله بغض النظر عن صواب قوله أو خطئه، فغاية ما يشتغل به الناقد بيان الثبوت أو عدم الثبوت، أما زاوية النظر عند الفقهاء والمفسرين وغيرهم فلا تحصر القبول في الثبوت؛ بل تقبل الثابت وغيره مما صح معناه وتحكم بصحته، بل وتحتج به بعد تحقق معايير القبول والاحتجاج فيه.
واختلاط زاويتي الاشتغال عند الناظر يوقع في الإشكال واللبس فتختلط عليه الأمور، وقد كان الأئمة على وعي بذلك ولم يجدوا غضاضة في قبول ما صح معناه وإن كان في ثبوته نظر؛ لتباين الجهتين عندهم، جهة الثبوت، وجهة القبول والاحتجاج.
فهذا الإمام الشافعي يقول:". . . فاستدللنا بما وصفت مِنْ نقل عامة أهل المغازي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن: "لا وصية لوارث" على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة، مع الخبر المنقطع عن النبي، وإجماع العامة على القول به"(١).
وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن دية المُعَاهَد؟ فقال: على النصف من دية