وذكر ابنُ تيمية (٦/ ٣٣٩ - ٣٤٠) أنّ قوله: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} يقتضي أنّ نفس تحريم الحلال يمين، كما استدل به ابن عباس وغيره. ورجَّحه مستندًا إلى ظاهر الآية، والدلالة العقلية، فقال: «وسبب نزول الآية: إما تحريمه العسل، وإما تحريمه مارية القِبْطيّة. وعلى التقديرين فتحريم الحلال يمين على ظاهر الآية، وليس يمينًا بالله؛ ولهذا أفتى جمهور الصحابة -كعمر، وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وغيرهم- أنّ تحريم الحلال يمين مُكفّرة: إما كفارة كبرى كالظهار، وإما كفارة صغرى كاليمين بالله، وما زال السلف يُسمّون الظهار ونحوه يمينًا». وأيضًا «فإنّ قوله: {لم تحرم ما أحل الله لك} إما أن يراد به: لم تُحرّم بلفظ الحرام؟ وإما: لم تُحرّمه باليمين بالله تعالى ونحوها؟ وإما: لم تُحرّمه مطلقًا؟ فإنْ أريد الأول والثالث فقد ثبت أنّ تحريمه بغير الحلف بالله يمين، فيعمّ. وإنْ أريد به تحريمه بالحلف بالله فقد سَمّى الله الحلف بالله تحريمًا للحلال، ومعلوم أنّ اليمين بالله لم توجب الحرمة الشرعية، لكن لمّا أوجبت امتناع الحالف من الفعل فقد حَرّمتْ عليه الفعل تحريمًا شرطيًّا لا شرعيًّا، فكلّ يمين تُوجب امتناعه من الفعل فقد حَرّمتْ عليه الفعل؛ فيدخل في عموم قوله: {لم تحرم ما أحل الله لك}، وحينئذ فقوله: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} لابد أن يعمّ كلّ يمين حَرّمت الحلال؛ لأنّ هذا حكم ذلك الفعل، فلا بُدَّ أن يطابق صوره؛ لأنّ تحريم الحلال هو سبب قوله: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} وسبب الجواب إذا كان عامًّا كان الجواب عامًّا لئلا يكون جوابًا عن البعض مع قيام السبب المقتضي للتعميم، وهذا التقدير في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} إلى قوله: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة: ٨٧ - ٨٩]». وساق ابنُ كثير (١٤/ ٤٩ - ٥٠) هذا القول، ثم علَّق بقوله: «من هاهنا ذهب مَن ذهب من الفقهاء ممن قال بوجوب الكفارة على مَن حَرّم جاريته أو زوجته أو طعامًا أو شرابًا أو ملبسًا أو شيئًا من المباحات، وهو مذهب الإمام أحمد وطائفة. وذهب الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حَرّم عينيهما، أو أطلق التحريم فيهما في قوله، فأمّا إن نوى بالتحريم طلاق الزوجة أو عِتق الأَمَة نفذ فيهما».