ووجَّه ابنُ عطية (٨/ ٥٩٢) القول الأول بقوله: على نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأنسى، وأُنَسّى لأَسُنَّ». ووجَّه (٨/ ٥٩١) القول الثاني بقوله: «وفي هذا التأويل آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه أُمِّيٌّ، وحفظ الله تعالى عليه الوحي، وأمَّنه من نسيانه». ونقل ابنُ جرير (٢٤/ ٣١٦ بتصرف) قولين آخرين: أحدهما: أنّ «معنى النسيان في هذا الموضع: التَّرْك، وأنّ معنى الكلام: سنقرئك، يا محمد، فلا تَتْرُكُ العمل بشيءٍ منه، إلا ما شاء الله أن تَتْرُكَ العمل به، مما ننسَخُه». والآخر: أنّ «بعض أهل العربية كان يقول في ذلك: لم يشأ اللهُ أن تَنسى شيئًا، وهو كقوله: {خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّمَواتُ والأَرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٨] ولا يشاء. قال: وأنتَ قائلٌ في الكلام: لأُعطينَّك كلّ ما سألتَ إلا ما شئتُ، وإلا أنْ أشاءَ أنْ أمنعَك. والنِّيَّةُ أن لا تمنعه، ولا تشاءَ شيئًا. قال: وعلى هذا مجاري الأيمان، يُستَثنى فيها، ونيَّة الحالف التَّمام». ثم رجَّح القول الثاني مستندًا إلى الأظهر لغة، وعلَّل ذلك بقوله: «لأنّ ذلك أظهرُ معانيه». ونقل ابنُ عطية (٨/ ٥٩١) عن آخرين: أنّ هذه الآية «وعدٌ بإقراء الشرع والسور، وأَمْرٌ بأن لا ينسى، على معنى التثبيت والتأكيد، وقد علم تعالى أنّ تَرْك النسيان ليس في قدرته، فهو نهيٌ عن إغفال التعاهد». ونقل (٨/ ٥٩٢) عن بعض المتأولين أنّ معنى الاستثناء: «إلا ما شاءَ اللَّهُ أن يغلبك النسيان عليه، ثم يذكِّرك به بعد». ثم وجَّهه بقوله: «ومن هذا قول النبي -عليه الصلاة والسلام- حين سمع قراءة عبّاد بن بشر: «? تعالى، لقد أذْكرني كذا وكذا آيةً في سورة كذا». ثم علَّق بقوله:» ونسيان النبي - صلى الله عليه وسلم - ممتنعٌ فيما أُمِر بتبليغه؛ إذ هو معصوم، فإذا بلَّغه ووُعِيَ عنه فالنسيان جائزٌ، على أن يتذكر بعد ذلك، أو على أن يسنّ، أو على النسخ".