ووجَّه ابنُ عطية (١/ ٤٩٩ بتصرف) كِلا القولين بقوله: «{تَوَلّى} و {سَعى} تحتمل جميعًا معنيين: أحدهما: أن تكون فعل قلب، فيجيء {تَوَلّى} بمعنى: ضَلَّ وغَضِب وأَنِف في نفسه، فسعى بحِيَله وإرادته الدوائرَ على الإسلام، ومِن هذا السعي قول الله تعالى: {وأَنْ لَيْسَ لِلْإنْسانِ إلّا ما سَعى} [النجم: ٣٩]. ونحا هذا المنحى في معنى الآية ابنُ جريج وغيره. والمعنى الثاني: أن يكونا فعل شخصٍ، فيجيء {تَوَلّى} بمعنى: أدْبَر ونَهَضَ عنك، يا محمد، و {سَعى} يجيء معناها: بقدميه، فقطع الطريق وأفسدها. نحا هذا المنحى ابن عباس وغيره، وكلا السعيين فساد». [٧٥٦] اختُلِف في معنى الإفساد الذي أضافه الله للمذكور في الآية؛ فقال قوم: هو قطعه الطريقَ، وإخافته السبيلَ. وقال آخرون: قطعُ الرَّحِم، وسَفْكُ الدماء. وجَمَعَ ابنُ جرير (٣/ ٥٨٢) بين القولين، فقال: «والصواب من القول في ذلك أن يُقال: إنّ الله -تبارك وتعالى- وصَف هذا المنافقَ بأنّه إذا تولى مُدْبِرًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمل في أرض الله بالفساد. وقد يدخل في الإفساد جميعُ المعاصي، وذلك أنّ العمل بالمعاصي إفسادٌ في الأرض، فلم يُخَصِّص اللهُ وصفَه ببعض معاني الإفساد دون بعض».
ثم قوّى القولَ الأول مستندًا إلى السياق، فقال: «لأنّ الله -تعالى ذِكْرُه- وصَفَه في سياق الآية بأنّه سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، وذلك بفعل مُخِيفِ السبيل أشبهُ منه بفعل قُطّاع الرَّحِم».وذكر ابنُ تيمية (١/ ٤٨٥) أن الإفساد فُسِّر بالظلم، وبالكفر، ثم علَّق بقوله: «وكلاهما صحيح».