للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

* معالم التفسير في عهد عصر الدولة الأموية السفيانية (عهد صغار الصحابة وكبار التابعين):

أولًا: التخصص في التفسير والتفرغ لبثه وتعليمه مع ظهور مجالس التفسير العامة:

تقدم أن أغلب كبار الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين لم يتفرغوا التفرغ التام لتعليم التفسير والتصدي له فيما يظهر، حيث انشغلوا بأمور ذات أولوية من الجهاد والفتوحات ونشر الإسلام وتعليم الناس أسس الدين والإقراء وغيره، هذا إضافة لقرب العهد بالنبوة وأكثر الناس على سليقتهم اللغوية مع عدم فشو اللحن بصورة جلية مما ترتب عليه عدم الاحتياج للتوسع في التفسير ابتداء، غير أن الأمر أخذ بالانحدار كلما بعد الزمان والمكان عن عهد النبوة، حتى جاء هذا العهد، وقد اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، ودخل في دين اللَّه الكثير من مختلف الشعوب بمختلف اللغات، واحتاجوا إلى تعلم كتاب اللَّه وفقه معانيه، فكان لزامًا أن يتصدى لذلك علماء الأمة ويتصدروا لتعليم الناس، ويُعدُّوا من يرث هذا العلم بعدهم ويبثه، فانبرى لذلك حبر الأمة وترجمان القرآن عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما-، الذي تفرغ في مكة لنشر العلم وعقد مجالس للتفسير خاصة لتلاميذه، وأخرى عامة لمن يرد عليه من الناس خصوصًا زوار الحرم من الآفاقيين، ففسر القرآن لطلابه، ولسائليه، كما سيأتي تفصيله في الفصل الثاني، ومن هنا كان ابن عباس أكثر الصحابة تفسيرًا، لا يقاربه أحد فيما روي عنه أو يدانيه، وتخرج على يديه كبار مفسري التابعين، وعلى رأسهم مجاهد بن جبر وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم، الذين حملوا لواء هذا العلم ونشروه، وسيأتي في المعالم التالية مآثر أخرى لحبر الأمة إضافة لما سبق من تفرغه للتفسير وتصديه لتعليمه وتربية طلابه على ذلك. ومن هنا يمكن القول: إن علم التفسير استقل في هذا العصر استقلالًا واضحًا، وأصبح علمًا يُقصد بذاته.

ثانيًا: ظهور التدوين في التفسير استقلالًا:

تقدم أن التفسير في عصر الخلفاء الراشدين كان قائمًا على الرواية الشفهية كسائر علوم الشريعة، وأنه لم يظهر تدوين خاصٌّ بالتفسير، أما في هذا العهد فقد ظهرت البدايات الأولى لتدوين التفسير، يظهر ذلك جليًّا من خلاق كتابة مجاهد التفسير عن ابن عباس وكذلك سعيد بن جبير، وغيرهما، بل جاء عن شيخهم ما يدل على حثهم

<<  <  ج: ص:  >  >>