للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفتن ويؤلب الناس على عثمان -رضي اللَّه عنه-، مبتدئًا ذلك من خلال تحريف معاني القرآن مع نشر ذلك بين الطغام فيقول: "لعجبٌ ممنِ يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدًا يرجع، وقد قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [القصص: ٨٥] فمحمد أحق بالرجوع من عيسى"، حتى قبلوا ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة، ثم ادعى أن عليًّا كان وصيًّا وأن عثمان أخذها بغير حق، حتى جمع الغوغاء إلى المدينة فقتلوا عثمان -رضي اللَّه عنه- (١).

وهكذا تتابعت حلقات المبتدعة، فظهرت القدرية في أواخر عهد الصحابة، وبعدهم المرجئة، والمعتزلة، والجهمية، كل حزب بما لديهم فرحون، يدعون إلى بدعتهم، ويتخذون من التأويل الباطل للنصوص سلاحًا يخدم أغراضهم الفاسدة ويؤيد باطلهم، وأصبح ذلك المنهج مطية لكل من يريد الخروج على عقيدة الأمة وشريعتها، وازدادت بذلك التفاسير المبتدعة والتأويلات الباطلة لكتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-.

[ب - مواجهة التأويلات المنحرفة للقرآن]

نهض السلف لمواجهة هذا الخطر الداهم، ونشطوا في كشف حقيقته للناس بوسائل عديدة، من أهمها:

[١ - هجر المنتمين إلى تلك البدع والتحذير منهم]

فقد كان السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم أشداء في النكير على أهل البدع -كما سيأتي من أمثلة توضح ذلك-، خصوصًا من عاش منهم في العراق منشأ تلك البدع، وهذا واضح جلي من موقف الشعبي من الشيعة، وإبراهيم النخعي من المرجئة، وابن سيرين من القدرية.

بل نسب إلى تلك الفرق المبتدعة مفسرون لهم باع في التفسير، ووقف منهم أهل العلم موقفًا شديدًا، مما أدى إلى قلة الرواية عنهم وعدم اعتداد الكثير بتفسيرهم، يظهر ذلك جليًّا في محمد بن السائب الكلبي (ت: ١٤٦ هـ)، ومقاتل بن سليمان (ت: ١٥٠ هـ)، وربما كان لما اتهم به عكرمة مولى ابن عباس من انتحال رأي الخوارج دور في قلة آثاره في التفسير مقارنة بمجاهد مع اتفاقهما في طول ملازمة ابن عباس والتفرغ للتفسير (٢)، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.


(١) ينظر: تاريخ الأمم والملوك للطبري ٤/ ٣٤٠.
(٢) ينظر: تفسير التابعين ١/ ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>