وقد وجَّه ابنُ عطية (١/ ٢٧٢) معنى الشهادة على قول ابن عباس أنّ المراد به أنهم شهداء على أسلافهم، فقال: «والمعنى: وأنتم شهداء، أي: بينة أن هذا الميثاق أخذ على أسلافكم فمَن بعدهم».ووجَّه ابن جرير (٢/ ٢٠٤) معنى الشهادة على قول أبي العالية أن المراد به مشاهدتهم وحضورهم أخذ الميثاق، فقال: «والمعنى: وأنتم شهود، أي: حضور، أخذ الميثاق والإقرار». وقد جمع ابنُ جرير (٢/ ٢٠٤ - ٢٠٥) بين القولين مُستندًا إلى النّظائر، والسّياقِ فقال: «وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب عندي: أن يكون قوله: {وأنتم تشهدون} خبرًا عن أسلافهم، وداخلًا فيه المخاطبون منهم، الذين أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما كان قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم} خبرًا عن أسلافهم، وإن كان خطابًا للذين أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنّ الله تعالى أخذ ميثاق الذين كانوا على عهد رسول الله موسى - عليه السلام - من بني إسرائيل، فألزم جميع من بعدهم من ذريتهم من حكم التوراة مثل الذي ألزم منه من كان على عهد موسى منهم، ثم أنّب الذين خاطبهم بهذه الآيات على نقضهم ونقض سلفهم ذلك الميثاق، وتكذيبهم ما وكدوا على أنفسهم له بالوفاء من العهود، بقوله: {ثم أقررتم وأنتم تشهدون} وإن كان خارجًا على وجه الخطاب للذين كانوا على عهد نبينا - صلى الله عليه وسلم - منهم، فإنه معنيٌّ به كُلّ من واثق بالميثاق منهم على عهد موسى - عليه السلام - ومن بعده، وكل من شهد منهم بتصديق ما في التوراة. لأنّ الله -جل ثناؤه- لم يخصص بقوله: {ثم أقررتم وأنتم تشهدون} -وما أشبه ذلك من الآي- بعضهم دون بعض، والآية محتملة أن يكون أريد بها جميعهم، فإذْ كان ذلك كذلك فليس لأحد أن يدَّعي أنه أريد بها بعض منهم دون بعض ... ، وكذلك حُكم الآية التي بعدها».وذكر ابن عطية (١/ ٢٧٢) أن قوله: {ثم أنتم هؤلاء ... } دال على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردا إلى الأسلاف.