إن من نظر في أقوال الصحابة في التفسير متدبرًا لهذه الأقوال، ومتفهمًا لمراميها، وعلاقتها بتفسير الآية، فإنه سيتبين له ما آتاهم اللَّه من حسن البيان عن معاني القرآن، من غير تكلف في البيان، ولا تعمق في تجنيس الكلام، بل تراهم يلقون الألفاظ بداهة على المعنى، فتصيب منه المراد.
وكان مما عزّز لهم حسن الفهم: ما سبق ذكره من الأسباب التي دعت إلى الرجوع إلى تفسيرهم من: مشاهدة التنزيل، ومعرفة أحوال من نزل فيهم القرآن، وكونهم أصحاب اللسان الذي نزل به القرآن، مع ما لهم من معرفة بأحوال صاحب الشريعة -صلى اللَّه عليه وسلم- مما كان يعينهم على فهم المعنى المراد، وكذا حسن الاستنباط.
ولا ريب أن قولهم في التفسير أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد اللَّه؛ فعليهم نزل، وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- علمًا وعملًا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل (١).
إن هذه المزية توجب على دارس التفسير أن يرجع إلى أقوالهم، وأن يفهم تفسيراتهم، ليعتمد عليها في التفسير، ويبني عليها مسائل الآيات وفوائدها.
[٥ - سلامة قصدهم]
لم يقع بين الصحابة خلاف يؤثر في علمهم، بحيث يوجه آراءهم العلمية إلى ما يعتقدونه، وإن كان مخالفًا للحق، بل كان شأن الخلاف بينهم إظهار الحق، لا الانتصار للنفس أو المذهب الذي ذهب إليه.
لقد ظهر فيمن بعدهم من أصحاب العقائد الباطلة؛ كالخوارج، والمرجئة، والجهمية، والمعتزلة، وغيرهم مجانبة الحق، وكثر الخلاف بسبب كثرة الآراء الباطلة، مما جعل القرآن عرضةً لتحريف معناه، إذ يصرفه أصحاب هذه المذاهب الباطلة إلى مذاهبهم، وهذا مما سلم منه جيل الصحابة، فلم يتلوث بمثل هذه الخلافات.