للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجوع {عَذابٌ ألِيمٌ} يعني: وجيع (١) [٥٩٠٤]. (ز)

[آثار متعلقة بالآية]

٦٩٩٢٩ - عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ ربكم أنذركم ثلاثًا: الدُّخان، يأخذ المؤمن منه كالزَّكْمة، ويأخذ الكافر فيَنتَفِخ حتى يخرج من كلّ مِسْمع منه، والثانية الدابّة، والثالثة الدَّجّال» (٢). (١٣/ ٢٦٨)


[٥٩٠٤] اختلف المفسّرون في وقت الدخان على ثلاثة أقوال: الأول: أنه الدُّخان الذي رأته قريش حين دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع كسبع يوسف - عليه السلام -، فأصابهم جوع، فكانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدُّخان من الجوع. وهو قول ابن مسعود، وأبي العالية، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، والضّحّاك، ومقاتل. الثاني: دُخان يجيء قبل القيامة فيأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام. وهو قول علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، وابن عمر، وابن عباس، والحسن. الثالث: أنه كان يوم فتح مكة. وهو قول أبي هريرة، والأعرج.
وقد رجَّح ابنُ جرير (٢١/ ٢٠) -مستندًا إلى السياق- القول الأول، وعلَّل ذلك بقوله: «لأنّ الله -جل ثناؤه- توعّد بالدخان مشركي قريش، وأنّ قوله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} في سياق خطاب الله كفار قريش، وتقريعه إياهم بشركهم بقوله: {لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون}، ثم أتبع ذلك قوله لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} أمرًا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه وتهديدًا للمشركين، فهو بأن يكون إذ كان وعيدًا لهم قد أحلَّه بهم أشبه مِن أن يكون أخَّرَهُ عنهم لغيرهم».
وعلَّق ابنُ عطية (٧/ ٥٧١) على القول الأول بقوله: «وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل».
ورجَّح ابنُ كثير (١٢/ ٣٣٩) -مستندًا إلى ظاهر القرآن، والسنة، والدلالة العقلية- القول الثاني، وانتقد الأول، فقال بعد أن أورد عدة أحاديث وآثار فيه، ومنها قول ابن عباس من طريق ابن أبي مليكة: «وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، وهكذا قول مَن وافقه مِن الصحابة والتابعين أجمعين، مع الأحاديث المرفوعة مِن الصّحاح والحسان وغيرهما، التي أوردناها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدُّخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تعالى: {فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ} أي: بيّن واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسّر به ابن مسعود?: إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجَهد. وهكذا قوله: {يَغْشى النّاسَ} أي: يتغشاهم ويَعُمهم، ولو كان أمرًا خياليًّا يخصّ أهل مكة المشركين لما قيل فيه: {يَغْشى النّاسَ}».
وجعل ابنُ جرير (٢١/ ٢٠ - ٢١) الحكم بصحة القول الثاني متوقفة على صحة حديث حذيفة المُثبت لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - فسّر الدُّخان في الآية بدخان يوم القيامة، ثم انتقد صحة الحديث بقوله: «وإنما لم أشهد له بالصحة لأن محمد بن خلف العسقلاني حدثني أنه سأل روّادًا عن هذا الحديث: هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا. فقلت له: فقرأته عليه؟ فقال: لا. فقلت له: فقرئ عليه وأنت حاضر فأقرَّ به؟ فقال: لا. فقلت: فمِن أين جئتَ به؟ قال: جاءني به قومٌ، فعرضوه عليَّ، وقالوا لي: اسمعه منّا. فقرءوه عليَّ، ثم ذهبوا، فحدّثوا به عنِّي، أو كما قال».
وعلَّق ابنُ كثير (١٢/ ٣٣٧) على انتقاده للحديث بقوله: «وقد أجاد ابنُ جرير في هذا الحديث هاهنا، فإنه موضوع بهذا السند، وقد أكثر ابنُ جرير من سياقه في أماكن مِن هذا التفسير، وفيه منكرات كثيرة جدًّا، ولا سيما في أول سورة بني إسرائيل في ذكر المسجد الأقصى».
ثم بيَّن ابنُ جرير أنّ انتقاده لا يُراد به إنكار وقوع الدُّخان في المستقبل -لثبوت ذلك في السنة-، وإنما كان انتقاده متجهًا إلى تفسير الآية به، فقال: «وبعد، فإنه غير منكر أن يكون أحلَّ بالكفار الذين توعّدهم بهذا الوعيد ما توعدهم، ويكون مُحِلًّا فيما يُستأنَفُ بعد بآخرين دُخانًا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا كذلك؛ لأن الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تظاهرت بأن ذلك كائن، فإنه قد كان ما روى عنه عبد الله بن مسعود، فكلا الخبرين اللذين رُويا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيح، وإن كان تأويل الآية في هذا الموضع ما قلنا».
وقال ابنُ عطية (٧/ ٥٧٢): «ويحتمل إن صحَّ حديثُ حُذيفة أن يكون قد مرَّ دُخان، ويأتي دُخان آخر».

<<  <  ج: ص:  >  >>