للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقد نبّه على أن تعدد الطرق وتوافقها على الإخبار عن المعنى طريق للجزم بثبوت هذا المعنى وصحته، وإن كان كل طريق منها ضعيفًا باستقلاله، ومثل هذا التعدد لا تضبط به الألفاظ والدقائق فهذا شأنه شأن آخر، وأما ما كان النظر فيه للمعنى المنقول دون مجرد اللفظ كالتفسير، فإنَّ تعدُّدَ الطرق الضعيفة ضعفًا محتملًا في مثله كافٍ لإثبات المعنى المنقول والجزم به عن السلف؛ وإن لم يمكن الجزم بنسبته لآحادهم.

* القرينة الرابعة: ليس كل اختلاف في الموقوفات اضطراب:

يقول الطريفي: "ينبغي أن لا تعامل مرويات التفسير المترددة بين الوقف على صحابي والقطع على تابعي من أصحابه، كما تعامل المرويات الأخرى المترددة بين الرفع والوقف للفرق في ذلك، فكثيرًا ما تتداخل مرويات التفسير بين ابن عباس وأصحابه، فيظن بعض من لا عناية له أن هذا علة اضطراب، تارة يوقف وتارة يقطع (١)، وهذا غير صواب؛ فالمفسرون من التابعين كثيرًا ما يقولون بقول شيوخهم من الصحابة ولا يرفعون إليهم (٢)، بل قد ينسب تابع التابعي الرواية للتابعي ولا ينسبها للصحابة، وإنما يفعلون ذلك لأغراض منها:

١ - ظهور المعنى وجلاؤه، وكون المعنى المحكي محل تسليم عند السامع فيستثقلون إسناده إليهم (٣).

٢ - خشية الخطأ في حكاية تفسير الصحابي؛ ومن ذلك مثلًا ما ذكره ابن أبي حاتم قال: "سألت أبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الثوري، عن نسير بن ذعلوق، عن كردوس: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]؟ قال: بشِركٍ؛ قال أبو زرعة: إنما هو عن كردوس، عن حذيفة؛ وابن أبي زائدة قصَّر به" (٤) ومراده أنه وقف الحديث على التابعي ولم ينسبه للصحابي (٥).

ولا شك أن الاختلاف بين الوقف والقطع لا يكون كله بحسب ما تقدم من


(١) التقرير في أسانيد التفسير ص ٥٣.
(٢) التقرير في أسانيد التفسير ص ٣٩.
(٣) ينظر: التقرير في أسانيد التفسير ص ٤٥، ٦٧.
(٤) علل الحديث، لابن أبي حاتم ٤/ ٥٩٢.
(٥) ينظر في بيان معنى القصر عند المحدثين: بحث بعنوان "الثقات الذين تعمدوا وقف المرفوع أو إرسال الموصول" د. علي بن عبد اللَّه الصياح. ومن العجيب أن أمثال تلك العلل تغفل عنها كثير من الدراسات المعاصرة، وتصم من لا ينسب الكلام لقائله بالسرقة العلمية!!!

<<  <  ج: ص:  >  >>