للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المروية عن السلف في التفسير؛ إذ لا يصح نفي ثبوت المعنى عن جملة السلف لمجرد أن أسانيد كل رواية ضعيفة عمّن نسبت إليه، إذ كثيرًا ما تتعدد الأسانيد الواردة عن السلف في معنى آية، وهي على تعددها تأتي لمعنى واحد أو متقارب، وإن اختلفت الألفاظ المعبر بها عن هذا المعنى، فيُشْعِر تعدد الطرق أن لهذا المعنى أصلًا عن السلف، فالناظر في الأسانيد الواردة عن السلف لا يسوغ له أن يصرح بعدم ثبوت معنى عن السلف لمجرد ضعف كل رواية على حدة، بل ينبغي عليه أن يجمع الطرق والأسانيد ثم ينظر في المعنى الذي دل عليه مجموع هذه الروايات؛ فإن كان المعنى متحدًا أو متقاربًا -وهذا كثير- حكم بثبوت هذا المعنى عن السلف، إذ تعدد الطرق للمراسيل والمنقطعات التي هي الغالبة في التفسير، والنظر في الشواهد وما إلى ذلك مما يزيد في الطمأنينة إلى كثير من هذه الأخبار والنقولات.

وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: "ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي ويروى: ليس لها أصل، أي: إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل. . . والمراسيل إذا تعددت طرقها، وخلت عن المواطأة قصدًا أو الاتفاق بغير قصد؛ كانت صحيحة قطعًا، فإن النقل إما أن يكون صدقًا مطابقًا للخبر، وإما أن يكون كذبًا تعمد صاحبه الكذب أو أخطأ فيه؛ فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقًا بلا ريب.

فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطؤوا على اختلاقه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقًا بلا قصد، علم أنه صحيح. . . وبهذه الطريقة يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات، وإن لم يكن أحدها كافيًا؛ إما لإرسأله، وإما لضعف ناقله، ولكن مثل هذا لا تضبط به الألفاظ والدقائق التي لا تعلم بهذه الطريقة، بل يحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق. . . وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي، وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك" (١).


(١) مقدمة في أصول التفسير ص ٤٨، ٥٣، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>