ثُمَّ انتَقَدَ قول مجاهد مستندًا إلى الدلالة العقلية، وإلى السنة، فقال: «ولا معنى لقول مَن قال: الإصرار على الذنب: هو مواقعته؛ لأنّ الله - عز وجل - مدح بترك الإصرار على الذنب مُواقِعَ الذنب، فقال: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}. ولو كان المواقِعُ الذنبَ مُصِرًّا بمواقعته إيّاه لم يكن للاستغفار وجهٌ مفهوم؛ لأنّ الاستغفار من الذنب إنّما هو التوبةُ منه والندمُ، ولا يُعرف للاستغفار من ذنب لم يواقعه صاحبُه وجهٌ. وقد رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «ما أصَرَّ مَنِ استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة». فلو كان مُواقِعُ الذنب مُصِرًّا لم يكن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أصَرَّ منِ استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرةً» معنًى، فقد أبان هذا الخبرُ أنّ المستغفر مِن ذنبه غيرُ مُصِرٍّ عليه، فمعلومٌ بذلك أنّ الإصرار غيرُ المواقعة».