ورَجَّحَ ابنُ جرير (٣/ ٥٠ بتصرف) مُسْتَنِدًا لأحوال النُّزول، والسياق القولَ الأول دون الثاني الذي قاله ابن زيد، فقال: «وإنما اخترنا هذا التأويل لأنّ هذه الآية نزلت في اليهود، وإيّاهم عنى الله -تعالى ذِكْرُه- بها، ولم تكن اليهودُ أهلَ أوثانٍ يعبدونها، ولا أهل أصنام يُعَظِّمُونها، ويَرْجُون نفعَها أو دفعَ ضُرِّها. فإن قال قائل: وما دليلك على أنّ المقصود بهذه الآية اليهود؟ قيل: دليلُنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها، فإنّهم هم المَعْنِيُّون به، فكان ما بينهما بأن يكون خبرًا عنهم أحقّ وأولى من أن يكون خبرًا عن غيرهم، حتى تأتي الأدلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم». وكذا رَجَّحه ابنُ كثير (٢/ ١٤٧) مُسْتَنِدًا إلى الدلالات العقلية، فقال: «لأنّ الأصنام لا تسمع شيئًا، ولا تَعْقِلُه، ولا تُبْصِرُه، ولا بَطْشَ لها، ولا حياة فيها». ووجَّهه ابنُ جرير (٣/ ٤٧ - ٤٨ بتصرف)، فقال: "ومعنى قائلي هذا القول في تأويلهم ما تأوّلوا: ومَثَلُ وعْظِ الذين كفروا وواعظِهم كمَثَل نَعْق النّاعق بغنمه ونعيقه به، فأضيف المَثَل إلى الذين كفروا، وترك ذكر الوعظ والواعظ لدلالة الكلام على ذلك، كما يُقال: إذا لقيت فلانًا فعظِّمه تعظيمَ السلطان، يُراد به: كما تُعَظِّم السلطان، وقد يحتمل أن يكون المعنى على هذا التأويل الذي تأوّله هؤلاء: ومَثَلُ الذين كفروا في قلّة فهمهم عن الله وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم الذي لا يفقه من الأمر والنهي غير الصوت، وذلك أنّه لو قيل له: اعْتَلِف أو رِدِ الماء. لم يدر ما يُقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله، فكذلك الكافر مَثَلُه في قِلَّة فهمه لِما يُؤْمَر به ويُنْهى عنه بسوء تدبره إياه وقِلَّة نظره وفكره فيه مَثَلُ هذا المنعوق به فيما أُمِر به ونُهِي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به، والكلامُ خارجٌ على الناعق، كما قال نابغة بني ذبيان: وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ... على وعل في ذي المطارة عاقل والمعنى: حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي". وبنحوه قال ابنُ القيم (١/ ١٦٣).