وقد رجّح ابنُ جرير مستندًا إلى ظاهر الآية القول الثاني، وعلَّل ذلك بقوله: «لأن الله -تعالى ذِكْرُه- أخبر في أول الآية أنّه مرج البحرين، والمرج: هو الخلط في كلام العرب. على ما بينتُ قبلُ، فلو كان البرزخ الذي بين العذب الفرات من البحرين والملح الأجاج أرضًا أو يبسًا لم يكن هناك مَرْجٌ للبحرين، وقد أخبر -جلَّ ثناؤه- أنّه مرجهما، وإنّما عرفنا قدرته بحجزه هذا الملح الأجاج عن إفساد هذا العذب الفرات مع اختلاط كل واحد منهما بصاحبه، فأمّا إذا كان كل واحد منهما في حيِّز عن حيِّز صاحبه فليس هناك مَرْجٌ، ولا هناك مِن الأعجوبة ما يُنَبَّه عليه أهلُ الجهل به من الناس ويذكرون به، وإن كان كل ما ابتدعه ربنا عجيبًا، وفيه أعظم العبر، والمواعظ، والحجج البوالغ». وذكر ابنُ عطية (٦/ ٤٤٦) في الآية أقوالًا، ثم علّق بقوله: «والذي أقول به في الآية: إنّ المقصد بها التنبيه على قدرة الله تعالى، وإتقان خلقه للأشياء في أن بثَّ في الأرض مياهًا عذبة كثيرة مِن أنهار وعيون وآبار، وجعلها خلال الأجاج، وجعل الأجاج خلالها، فتلقّى البحر قد اكْتَنَفَتْه المياهُ العذبة في ضفتيه، وتلقى الماء العذب في الجزائر ونحوها قد اكتنفه الماء الأجاج فبثها هكذا في الأرض هو خلطها، وهو قوله: {مَرَجَ}، ومنه: مريج، أي: مختلط مشتبك، ومنه: {في أمر مريج} [ق: ٥]. والبحران يريد بهما: جميع الماء العذب، وجميع الماء الأجاج، كأنه قال: مرج نوعي الماء. والبرزخ والحجر: هو ما بين البحرين من الأرض واليبس. قاله الحسن. ومنه القدرة التي تمسكها مع قرب ما بينهما في بعض المواضع».