للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على تقييد العلم عمومًا -ومن ضمنه التفسير- فقد روي عن ابن عباس قوله: "قيدوا العلم بالكتاب" (١) وسيأتي الحديث عن ذلك مفصلًا في الفصل الثاني.

ثالثًا: مصادر التفسير في هذا العصر وتأصيل بعضها:

مصادر التفسير في هذا العصر هي القرآن والسُّنَّة وتفسير كبار الصحابة، ويظهر ذلك جليًّا لدى تلاميذ ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- الذين نقلوا أقواله، كذلك تأصل التفسير اللغوي، وتوسع الاجتهاد في التفسير، ولعلنا نوضح شيئًا من ذلك فيما يلي:

١ - توسع باب الاجتهاد في التفسير: تقدم أن في عصر الخلفاء الراشدين برز الاجتهاد في التفسير بصورة جلية، والقول بالرأي المحمود، بل والتشجيع على الخوض فيه، كما رأينا في مواقف عمر مع ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. وقد توسع ذلك جدًّا في هذا العصر، من خلال تعليم ابن عباس لطلابه التفسير وتشجيعهم للتصدي له وإعمال أذهانهم في استنباط معانيه، وقد جاء في السير آثار عديدة توضح ذلك، منها ما روي عن مجاهد، أن ابن عباس قال لسعيد بن جبير: حدِّث، فقال: أُحدث وأنت هاهنا؟ فقال: "أوليس من نعمة اللَّه عليك أن تتحدث وأنا شاهد؟! فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علمتك" (٢).

٢ - التفسير اللغوي: تقدم أيضًا أن التفسير اللغوي برز جليًّا في عصر الخلفاء الراشدين، وقد استوى على سوقه في هذا العصر على يد ابن عباس الذي كان إذا سئل عن عربية القرآن أنشد الشعر كما ذكر عكرمة مولاه عنه (٣)، وقصة نافع بن الأزرق الحنفي (ت: ٦٥ هـ) وسؤالاته له في ذلك مشهورة، وكان يقول: "إذا قرأ أحدكم شيئًا من القرآن فلم يدر ما تفسيره فليلتمسه في الشعر، فإنه ديوان العرب" (٤).

٣ - الإسرائيليات: تقدم أن ظهور بدايات دخول الإسرائيليات في التفسير كانت في العصر السابق، من خلال أسئلة بعض الصحابة لبعض من أسلم من أهل الكتاب، كأسئلة ابن عباس وأبي هريرة -رضي اللَّه عنهم- لكعب الأحبار، أو من خلال ما وجدوا من كتب أهل الكتاب، كما روي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-، وقد كان


(١) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر ١/ ٣١٠.
(٢) الطبقات الكبرى، لابن سعد، ط. دار صادر ٦/ ٢٥٦.
(٣) فضائل الصحابة، للإمام أحمد بن حنبل ٢/ ٩٧٣.
(٤) السنن الكبرى، للبيهقي ١٠/ ٤٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>