ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٥٤٧ - ٥٤٨ بتصرف) القولَ الأولَ لعدم ورود دليل للنسخ يعتمد عليه، مع إمكان الجمعِ بينهما، وقال: «ذلك أنّ الناسخ من الأحكام ما نَفى خلافَه من الأحكام، وليس في قوله: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} نَفْيُ حكمِ قوله: {فَإنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩]؛ لأنّ الذي حرَّم اللهُ على الرجل بقوله: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} أخذُ ما آتاها منها إذا كان هو المريدَ طلاقَها، وأمّا الذي أباح له أخذَه منها بقوله: {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ} فهو إذا كانت هي المريدةَ طلاقَه وهو له كارِهٌ، وليس في حكم إحدى الآيتين نفيُ حكم الأخرى. وإذ كان ذلك كذلك لم يجُز أن يُحكم لإحداهما بأنها ناسخة وللأخرى بأنها منسوخة إلا بحُجَّةٍ يجبُ التسليم لها». وانتَقَدَ القولَ الثاني لمخالفته ما ثبت في السّنّة، فقال: «وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني مِن أنّه ليس لزوج المختلعة أخذُ ما أعطته على فراقه إياها إذا كانت هي الطالبةَ الفرقةَ وهو الكاره فليس بصواب؛ لصحة الخبَرِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أمرَ ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقِها إذ طلبت فراقه، وكان النشوز من قِبَلها». وانتَقَدَ ابنُ عطية (٢/ ٥٠٥ بتصرف) القولين الثاني والثالث بقوله: «مِن شاذِّ الأقوال في هذه الآية أنّ بكر بن عبد الله المزني قال: لا يجوز أن يؤخذ من المختلعة قليلٌ ولا كثير، وإن كانت هي المريدة للطلاق. ومنها أنّ ابن زيد قال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}. وليس في شيء من هذه الآيات ناسخٌ ولا منسوخ، وكلها ينبني بعضُها مع بعض».