قضية ثبوت الخبر أو عدم ثبوته هي القضية التي عليها مدار المنهج النقدي لدى المحدِّثين، ولذا سيتناول هذا المبحث الكلام عن ذلك المنهج وأركانه وآلياته المعتمدة لإصدار الحكم بثبوت الخبر أو عدم ثبوته؛ فالمنهج النقدي عند المحدثين له معالمه وكلياته الكبرى التي تضبط إطاره العام، وهذه المعالم والكليات استندت إلى كثير من الأسس في تكوينها وقيامها، وانتظمت بداخلها كثيرًا من الجزئيات المكونة لصورتها، وارتبطت في علاقاتها وامتداداتها بمجموعة من الفنون المتنوعة والتطبيقات المتعددة، واعتمدت على كثير من الجزئيات والقرائن المختلفة باختلاف المقامات والأحوال وغير ذلك مما كان له أكبر الأثر في استواء منهج نقد الأخبار لدى المحدّثين على سوقه، وإثباتِه قدرته التامة ودقته البالغة ومرونته الفائقة في التعامل مع كافة المرويات الداخلة تحت نطاقه، وتحرير الصواب فيها من الخطأ؛ لإخراج الروايات المقبولة من بين فرث ودم الروايات المردودة، فالحكم بالثبوت أو عدم الثبوت مرتبط في ذلك المنهج بشبكة متداخلة من الأركان والآليات والقرائن والامتدادات، لا بد للمتصدي لنقد الأخبار من الإمساك بخيوطها وجمع معاقدها.
إن التكاملية في منهج التعامل مع المرويات والأخبار عند المحدثين لا ينبغي أن تظل دعوى تتردد أصداؤها دون فهم مضمونها، ولا معرفة أركانها، ولا إدراك منطلقاتها؛ بل ينبغي تصور الأسس الكبرى والمعاقد الكلية التي قامت عليها تكاملية المنهج. ومن هنا فإن انطلاق البحث عن منهجية المحدثين في التعامل مع مرويات التفسير أو المغازي أو الأحكام أو غيرها دون وضوح التصور لأسس المنهج ومعاقده ودون تقدير لاختلاف آلياته ودرجات تنزيله وتطبيقه خطأ منهجي، يؤدي إلى الاضطراب والتناقض والتخبط في الطرح، وعدم التحرير في التناول.
ومن هنا أراد البحث بيان المرتكزات الأساسية والمعاقد الكلية التي شكلت التكامل لمنهج المحدِّثين في التعامل مع الأخبار قبولًا وردًّا قبل بيان درجات تنزيله ومستويات تطبيقه مع مرويات التفسير؛ لأنه لا يسلم تحرير الفرع قبل تحرير الأصل، ولا يستقيم فهم الجزء وعلاقته بالكل قبل فهم الكل.