وإنّ أساس الأسس ومرتكز المرتكزات ومنطلق الينطلقات لفهم المنهج النقدي عند المحدثين وإدراك تكامله هو:
١ - تحديد أركانه الكلية.
٢ - تحرير هدفه وغايته.
٣ - تحرير المعيار الضابط لتلك الغاية وما يرتبط بمجموع ذلك.
فأما الأركان الكلية التي قام عليها منهج نقد الأخبار عند المحدثين؛ فهي ثلاثة، وهذه الثلاثة آخذة بمجامع أي خبر من أي جهة من جهاته، وممسكة بزمامه، وضابطة لآليات التعامل معه، وتلك الأركان الثلاثة هي أركان الخبر ذاته، إذ كل خبر من الأخبار ينحصر في أركان ثلاثة:
الأول: مضمون الخبر ونصّه.
والثاني: قائل الخبر.
والثالث: ناقل الخبر وراويه.
فكل خبر منقول قوامه هذه الأركان الثلاثة؛ وعلى هذه الأركان شيّد المنهج النقدي، ورفعت معالمه، وركبت أجزاؤه، ووضعت معاييره في القبول والرد، وحددت درجاته في التعامل مع الأخبار تشددًا وتساهلًا، وحُرِّرت طبقات الرواة وأوصافهم. . . إلخ، مما قام على هذه الأركان دون إغفال أو تغليب لركن منها على حساب آخر، وهذه الأركان آخذ بعضها برقاب بعض، ومتداخل بعضها في بعض؛ بحيث لا يمكن اكتمال المنهج النقدي بركنين منها دون الثالث لشدة ما بينها من تلاحم وارتباط، ولشدة التأثير الساري بينها، وذلك هو أساس تكاملية المنهج لمن أراد فهمها دون الاكتفاء بترديدها أو نقل عبارات الأئمة لإثباتها دون فهم مرادهم بها، وسيأتي لاحقًا تفصيل الكلام عليها.
وأما هدف المنهج وغايته التي يدور عليها منهج المحدثين في التعامل مع الأخبار والمرويات المتعددة، فهي بيان ثبوت هذه المرويات عمّن نُسِبَتْ إليه أو بيان عدم ثبوتها عنه.
وأما المعيار الضابط لتلك الغاية؛ فهو غلبة الظن بصواب الرواية أو خطئها، وفيما يأتي من مطالب بيان ذلك: