للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)}

٣٥٤٣٤ - عن عُبَيد بن عُمير الليثي -من طريق محمد بن إسحاق- أنّه كان يُحَدِّث، أنّه بَلَغَه: أنهم كانوا يبطشون به -يعني: قوم نوح-، فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللَّهُمَّ، اغفِر لقومي؛ فإنّهم لا يعلمون. حتى إذا تَمادَوْا في المعصية، وعَظمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النَّجْلَ (١) بعد النَّجْلِ، فلا يأتي قرنٌ إلا كان أخبثَ مِن القرن الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم لَيقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هكذا مجنونًا. لا يَقْبَلون منه شيئًا، حتى شَكا ذلك مِن أمرهم نوحٌ إلى الله تعالى، كما قصَّ الله علينا في كتابه: {رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا} [نوح: ٥ - ٦] إلى آخر القصة، حتى قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} إلى آخر القصة، فلَمّا شكا ذلك منهم نوحٌ إلى الله واستنصره عليهم أوحى الله إليه أن: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا} أي: بعد اليوم؛ {إنهم مغرقون}. فأقبل نوحٌ على عَمَلِ الفُلَك، ولَهِيَ عن قومه، وجعل يقطع الخشب، ويضرب الحديد، ويُهَيِّءُ عِدَّة الفلك مِن القارِ وغيره مِمّا لا يصلحه إلا هو، وجعل قومُه يَمُرُّون به وهو في ذلك مِن عمله، فيسخرون منه، ويستهزئون به، فيقول: {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم}. قال: ويقولون له فيما بلغني: يا نوحُ، قد صِرْتَ نَجّارًا بعد النُّبُوَّة؟! قال: وأَعْقَمَ اللهُ أرحامَ النساء، فلا يولد لهم ولد. قال: ويزعمُ أهل التوراة: أنّ الله أمره أن يصنع الفلك مِن خشب السّاج، وأن يصنعه أزْوَرَ (٢)، (ز)


(١) النَّجْل: النَّسْل. لسان العرب (نجل).
(٢) الأَزْوَرُ: المائِلُ. تاج العروس (زور).

<<  <  ج: ص:  >  >>