للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقذف الله في نفسها أن تتخذ له تابوتًا، ثم تقذف التابوت في اليمِّ، وهو النيل، فانطلقت إلى رجل نجّار مِن قوم فرعون، فاشترت منه تابوتًا صغيرًا، فقال لها النجار: ما تصنعين بهذا التابوت؟ قالت: ابنٌ لي أُخَبِّئه في التابوت. وكرِهَت الكذب، قال: ولم تقل: أخشى عليه كيد فرعون. فلمّا اشترت التابوت وحملته وانطلقت به انطلق النجار إلى الذبّاحين ليخبرهم بأمر أُمِّ موسى، فلما همَّ بالكلام أمسك الله لسانه؛ فلم يُطِق الكلام، وجعل يُشير بيده، فلم يَدْرِ الأُمَناءُ ما يقول، فلمّا أعياهم أمرُه قال كبيرُهم: اضربوه. فضربوه، وأخرجوه، فلما انتهى النجار إلى موضعه ردَّ الله عليه لسانه، فتكلم، فانطلق أيضًا يريد الأمناء، فأتاهم ليخبرهم، فأخذ الله لسانه وبصره؛ فلم يطق الكلام، ولم يُبصر شيئًا، فضربوه، وأخرجوه، فوقع في وادٍ يهوى فيه حيران، فجعل لله عليه إن ردَّ لسانه وبصره أن لا يدُلَّ عليه، وأن يكون معه يحفظه حيث ما كان، فعرف الله منه الصدق؛ فردَّ عليه لسانه وبصره؛ فخرَّ لله ساجدًا، فقال: يا ربِّ، دُلَّني على هذا العبد الصالح. فدلَّه الله عليه، فخرج من الوادي، فآمن به، وصدَّقه، وعلم أنّ ذلك مِن الله - عز وجل - (١). (ز)

{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ}

٥٨١٥٤ - عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير-: فأوحى الله إليها أن: {لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}. فلمّا ولدت فعلت ذلك به، فلمّا تواري عنها ابنُها أتاها الشيطان، فقالت في نفسها: ما فعلتُ بابني؟! لو ذُبِح عندي فواريتُه وكفَّنتُه لَكان أحبَّ إلَيَّ مِن أن ألقيه بيدي إلى دوابِّ البحر وحيتانه. وانتهى الماءُ به حتى أرقأ به عند فُرْضَة (٢) مستقى جواري امرأة فرعون، فلمّا رأينه أخذنه، فهَرَعْن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهم: إنّ في هذا مالًا، وإنّا إن فتحناه لم تُصَدِّقنا امرأةُ الملك بما وجدنا فيه. فحملنه كهيئته لم يُحَرِّكْن منه شيئًا حتى رَفَعْنَه إليها، فلمّا فتحته رأتْ فيه غُلامًا، فأُلْقِي عليه منها محبة لم تلق منها على أحد مِن البشر قط (٣). (ز)


(١) تفسير الثعلبي ٧/ ٢٣٤، وتفسير البغوي ٦/ ١٩١ - ١٩٢.
(٢) فُرْضَة النهر: ثُلْمَتُه التي منها يُسْتقى. اللسان (فرض).
(٣) أخرجه ابن جرير ١٦/ ٦٤، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٤٣، وهو جزء من حديث الفتون الطويل المتقدم في سورة طه.

<<  <  ج: ص:  >  >>