وذكر ابنُ عطية (٦/ ٢٩٩) أنّ بعض القائلين بأنّ المخاطب هو النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وجَّه ذلك بأنه: «أقام محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مقام الرسل، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: ١٧٣]»، ثم انتقد ذلك التوجيه وغيره قائلًا: «وقيل غير هذا مما لا يَثْبُت مع النظر». ثم وجَّه ابنُ عطية هذا القول بقوله: «والوجْه في هذا أن يكون الخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وخرج بهذه الصيغة ليفهم وجيزًا أنّ هذه المقالة قد خُوطِب بها كلُّ نبي، أو هي طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها، وهذا كما تقول لتاجرٍ: يا تُجّار، ينبغي أن تجانبوا الربا. فأنت تُخاطبه بالمعنى، وقد اقترن بذلك أنّ هذه المقالة تصلح لجميع صنفه». ووجَّه القول الثالث قائلًا: «ووجْه خطابه لعيسى - عليه السلام - ما ذكرناه مِن تقديره لمحمد - صلى الله عليه وسلم -». وقد ذكر ابنُ عطية (٦/ ٢٩٩ - ٣٠١) أن قوله تعالى: {يا أيُّها الرُّسُلُ} يحتمل مخاطبة الرسل متفرقين، ويحتمل مخاطبتهم مجتمعين، فأمّا على احتمال مخاطبتهم متفرقين فذكر أن المعنى: وقلنا يا أيها الرسل. ثم علَّق بقوله: «وكيف كان قول المعنى فلم يخاطبوا قطُّ مجتمعين، وإنما خُوطِب كلُّ واحد في عصره». وأما على احتمال مخاطبتهم مجتمعين فقد ذكر أنه يقوِّيه قوله تعالى: {وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً}، فقال: «هذه الآية تُقوِّي أن قوله تعالى: {يا أيُّها الرُّسُلُ} إنما هو مخاطبة لجميعهم، بتقدير حضورهم، وتجيء هذه الآية -أي: قوله تعالى: {وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} - بعد ذلك بتقدير: وقلنا للناس». ثم بيَّن أن قوله: {وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} وما بعده يجعل قولَ مَن قال: إن المخاطب في {يا أيُّها الرُّسُلُ} محمد - صلى الله عليه وسلم - مُشْكِلًا، فقال: «وإذا قدرت {يا أيُّها الرُّسُلُ} مخاطبة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قلق اتِّصال هذه واتصال قوله: {فَتَقَطَّعُوا}، أمّا إن قوله: {وأَنا رَبُّكُمْ فاتَّقُونِ} وإن كان قيل للأنبياء فأممهم داخلون بالمعنى فيحسن بعد ذلك اتصال {فَتَقَطَّعُوا}».