وانتَقَدَ ابنُ عطية (٢/ ٢٢١) صنيعَ ابن جرير، فقال: «وقولُ ابن عباس يَحْتَمِل أن يُفَسَّر بما قال قتادة [من أنّ المراد بالكلمة قوله: {كن}] وبغير ذلك مما سنذكره الآن، وليس فيه شيءٌ مما ادَّعى الطبريُّ?. وقال قومٌ من أهل العلم: سماه الله (كلمة) من حيث كان تقدَّم ذكره في توراة موسى وغيرها مِن كتب الله، وأنّه سيكون، فهذه كلمةٌ سَبَقَتْ فيه من الله، فمعنى الآية: أنتِ -يا مريمُ- مُبَشَّرَة بأنّك المخصوصةُ بولادة الإنسان الذي قد تكلَّم الله بأمره، وأخبر به في ماضي كتبه المنزلة على أنبيائه. و {اسْمُهُ} في هذا الموضع معناه: تسميته، وجاء الضمير مُذَكَّرًا من أجل المعنى؛ إذ (الكلمة) عبارة عن ولد». [١١٩٧] قال ابنُ جرير مُعَلِّقًا (٥/ ٤٠٧): «فسمّاهُ الله - عز وجل - كلمتَه [يعني: على هذا القول]؛ لأنّه كان عن كلمته، كما يُقال لِما قدَّر اللهُ مِن شيء: هذا قدرُ الله وقضاؤه. يعني به: هذا عن قدر الله وقضائه حدَثَ، وكما قال -جلَّ ثناؤه-: {وكان أمر الله مفعولًا} [النساء: ٤٧]، يعني به: ما أمر اللهُ به، وهو المأمور الذي كان عن أمر الله - عز وجل -». وبنحوه قال ابنُ عطية (٢/ ٢٢١). [١١٩٨] ذكر ابنُ جرير (٥/ ٤٠٧) في تفسير الكلمة ثلاثة أقوال، أحدها: أنّ المراد بها: رسالةٌ من الله، وخَبَرٌ مِن عنده. ولم ينسبه لأحد. وثانيها: أنّ الكلمة التي قالها الله هي: كن. وثالثها: أنّ الكلمة هي اسم لعيسى سمّاه الله به كما سمّى سائرَ الخلائق بما شاء من الأسماء. ورَجَّح ابنُ جرير القولَ الأول مُسْتنِدًا إلى اللغة، فقال: «ولذلك قال - عز وجل -: {اسمه المسيح}. فذكَّر، ولم يقل: اسمها. فيؤنث، والكلمة مؤنثة؛ لأنّ الكلمة غير مقصود بها قصد الاسم الذي هو بمعنى فلان، وإنما هي بمعنى: البشارة، فذُكّرت كنايتُها كما تُذَكّر كناية الذُّرِّيَّة، والدابَّة، والألقاب».