من خلال ما سبق من عرض أقوال بعض المعاصرين في حصرهم التفسير بالمأثور في أربعة أنواع، وما تمَّ من نقدهم في ذلك، فإنه يرد سؤال: هل يعني هذا النقد أنه لا يوجد مصطلح (المأثور) في التفسير؟!
والجواب: إن عمل المتقدمين يدل على أنهم يريدون بالمأثور ما روي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فالصحابة فالتابعون فأتباعهم، وعلى هذا بنوا كتبهم في التفسير، مثل ابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧ هـ)، الذي قال في مقدمة تفسيره:". . . فإذا وجدت التفسير عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . وإذا وجدته عن الصحابة. . . فإن لم أجد عن الصحابة ووجدته عن التابعين عملت فيما أجد عنهم ما ذكرته من المثال في الصحابة، وكذا أجعل المثال في أتباع التابعين وأتباعهم"(١).
وعلى هذا سار جُلُّ من كتب بالإسناد إلى السلف، ثم تبعهم من حذف الإسناد واكتفى بذكر المفسرين منهم؛ كالماوردي (ت: ٤٥٠ هـ).
ومثل السيوطي (ت: ٩١١ هـ) الذي ظهر مصطلح (المأثور) في عنوان كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور"، وقد تبع في طبقات المنقول عنهم في التفسير من سبقه من الأئمة كالطبري (ت: ٣١٠ هـ) وابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧ هـ)، وقال في مقدمته:"فلما ألفت كتاب ترجمان القرآن وهو التفسير المسند عن رسول اللَّه وأصحابه -رضي اللَّه عنهم- وتم بحمد اللَّه في مجلدات فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله فخلصت منه هذا المختصر مقتصرًا فيه على متن الأثر مصدرًا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر وسميته: "الدر المنثور في التفسير بالمأثور""، وفي ثناياه روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين وأتباعهم.
جاء الشوكاني (ت: ١٢٥٠ هـ) الذي اعتمد على كتاب الدر المنثور، فسمى كتابه "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية"، فصار لفظ الرواية نظير المأثور.
وعلى هذا فالمأثور -من خلال هذه الكتب عبر العصور-: ما أثر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن صحابته والتابعين وعن أتباع التابعين.