للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفرع الثاني تفاوت درجات وزمان اعتماد الإسناد في العلوم الشرعية]

إن الإسناد وإن كان عاملًا مشتركًا بين كثير من المنقولات في العلوم الشرعية واللغوية؛ إلا أن درجة الاعتماد عليه واعتباره وسيلة لنقد المنقولات تتفاوت بتفاوت العلوم والفنون، وكلام الأئمة في التشدد والتساهل في المرويات السابق ذكره هو تجسيد حقيقي لهذا التفاوت الحاصل في توظيف الأسانيد ودرجات الاعتماد عليها، كما أن هناك أنواعًا من المرويات كان الإسناد فيها مجرد زينة على حد عبارة الخطيب البغدادي الذي عقد بابًا بعنوان: "ما لا يفتقر كتبه إلى الإسناد": قال فيه: "وأما أخبار الصالحين، وحكايات الزهاد والمتعبدين، ومواعظ البلغاء، وحكم الأدباء، فالأسانيد زينة لها، وليست شرطًا في تأديتها" (١)، ثم روى بإسناده أن رجلًا خراسانيًّا كان "جالسًا عند يزيد بن هارون يكتب الكلام ولا يكتب الإسناد، فقيل له: ما لك لا تكتب الإسناد؟! فقال: "أنا خانه خواهم نبازار": تفسيره قال: "أنا للبيت أريده لا للسوق قال الخطيب: "إن كان الذي كتبه الخراساني من أخبار الزهد والرقائق وحكايات الترغيب والمواعظ؛ فلا بأس بما فعل، وإن كان ذلك من أحاديث الأحكام، وله تعلق بالحلال والحرام فقد أخطأ في إسقاط أسانيده؛ لأنها هي الطريق إلى تبيينه، فكان يلزمه السؤال عن أمره، والبحث عن صحته" (٢)، ولذا "فليس كل إسناد نراه يعني أنه وسيلة نقد ذلك المنقول بتطبيق منهج المحدثين الذين ينقلون به أحاديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن الإسناد كان سمة من سمات علوم الإسلام كلها، فإبرازه لم يكن دائمًا لأجل الاعتماد الكلي عليه في نقد ذلك المنقول" (٣).

وقد أشار الرافعي إلى هذا الملمح، فبعد أن ذكر العناية بأسانيد الحديث النبوي وتشديد العلماء في قبولها وفي أحوال رواتها ونقلتها؛ قال مبيِّنًا الفارق بين حال الإسناد ووظيفته في نقل السُّنَّة وبين حاله ووظيفته في نقل الأدب: "ذلك شأن


(١) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي ٢/ ٢١٣، ت: د. محمود الطحان.
(٢) الجامع لأخلاق الراوي ٢/ ٢١٤.
(٣) الأخبار التاريخية للشريف حاتم، مقال منشور بمكتبة موقع ملتقى أهل الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>