للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد بيانه هو عن مقصده منه، كما في قوله بعد أن أورد قولًا لابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ومجاهد (ت: ١٠٤ هـ): "وقد بيَّن ابن عباس ومجاهد ما أرادا من المعنى في قراءتهما ذلك على ما قرآ، فلا وجه لقول هذا القائل ما قال مع بيانهما عن أنفسهما ما قصدا إليه من معنى ذلك" (١).

وتلا ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) في ذلك المنهج باقي الأئمة، ومن شواهد ذلك توجيه ابن عطية (ت: ٥٤١ هـ): أثر قتادة: ({وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: ٢٥]؛ أي: خيارًا كله لا رذل فيه، يشبه ثمار الدنيا)، حيث قال: "كأنه يريد متناسبًا في أن كل صنف هو أعلى جنسه، فهذا تشابه ما" (٢)، وقال فيه ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ): "المراد بالتشابه التوافق والتماثل" (٣).

وكذا توجيه ابن عطية (ت: ٥٤١ هـ) قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٣]، حيث ذكر أقوال السلف فيها، وبيَّن أن "الآية تعم الجميع، وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف" (٤).

ومثله توجيه ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) تفسير جماعة من السلف بأن (الريب: الشك)، حيث قال: "هذا تقريب؛ وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة، فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة، فالريب ضده ضمن الاضطراب والحركة، ولفظ (الشك) وإن قيل: إنه يستلزم هذا المعنى. لكن لفظه لا يدل عليه" (٥).

وذكر ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) قول زيد بن أسلم: ({الم} [البقرة: ١] اسم من أسماء القرآن)، وقال: "ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد: أنه اسم من أسماء السور، فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن، فإنه يبعد أن يكون {المص} [الأعراف: ١] اسمًا للقرآن كله؛ لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول: قرأت {المص}، إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف، لا لمجموع القرآن" (٦).

[٤ - نقد آثار السلف]

اعتنى الأئمة الخمسة بنقد أقوال السلف عناية ظاهرةً؛ فصححوا وأبطلوا، ورجحوا وضعفوا، ووازنوا بين الأقوال، وأشاروا إلى ما في بعضها من نكارة أو


(١) جامع البيان ١٠/ ٣٧٠.
(٢) المحرر الوجيز ١/ ١٥٢.
(٣) تفسيره ١/ ١١٢.
(٤) المحرر الوجيز ١/ ١٠٧.
(٥) تفسيره ١/ ١٣٧ بتصرف.
(٦) تفسير القرآن العظيم ١/ ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>