للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غرابة؛ وذلك أنه لا تلازم بين اعتقاد فضل السلف وإمامتهم في العلم والدين، واعتقاد عصمتهم عن الخطأ، بل يقع من آحادهم ما يقع من غيرهم من الخطأ والسهو والنسيان، ونحو ذلك.

وقد جاء نقد الأئمة الخمسة لآثار السلف في صورتين:

أ - نقد متون مرويات السلف، كما في قول ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) بعد أن أورد قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: " {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} [المدثر: ٢٩]، يقول: معرضة"، ثم قال: "وأخشى أن يكون خبر علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس هذا، غلطًا، وأن يكون موضع (معرضةً) (مغيرةً)، لكن صحف فيه" (١)، وقوله أيضًا: "فإن ظن ظان أن الخبر الذي روي عن محمد بن كعب صحيح، فإن في استحالة الشك من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في أن أهل الشرك من أهل الجحيم، وأن أبويه كانا منهم ما يدفع صحة ما قاله محمد بن كعب، إن كان الخبر عنه صحيحًا" (٢). وفي قوله تعالى: {قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢] قال الحسن بن صالح: "استحملوه النعال"، فقال ابن عطية (ت: ٥٤١ هـ): "وهذا بعيد شاذ" (٣)، وذكر قول عبد اللَّه بن الحارث: أن ابن عباس سأل كعبًا عن {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: ٧٢]؟ فقال: هي الكروم والأعناب بالسريانية. فقال: "وأظن هذا وهمًا اختلط بالفردوس" (٤)، وقال ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) منتقدًا قول سفيان الثوري: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ١٨٧]: تظلمون أنفسكم. "وهذا القول فيه نظر؛ فإن كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه، سواءً فعله سرًّا أو علانيةً" (٥). وفي قول سعيد بن المسيب عند قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} [النور: ٣]، قال: (يرون أن هذه الآية التي بعدها نسختها: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢]، فهن من أيامى المسلمين)، قال ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) منتقدًا: "هذا أفسد من الكل؛ فإنه لا تعارض بين هاتين الآيتين، ولا تناقض إحداهما الأخرى، بل أمر سبحانه بإنكاح الأيامي، وحرم نكاح الزانية كما حرم نكاح المعتدة والمحرمة وذوات المحارم، فأين الناسخ والمنسوخ في هذا؟ ! " (٦)، وفي خبر زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- قال:


(١) جامع البيان ٢٣/ ٤٣٥. ويصحح ذلك أن ابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧ هـ) أخرجه بلفظ: "مغيرةً". كما في الإتقان ٢/ ٤١، ط. محمد أبو الفضل.
(٢) جامع البيان ٢/ ٤٨٢. وينظر: ١/ ٤٨٩، ٢/ ١٥٤، ٢٣/ ٤٥٣، ٢٤/ ٦١٨.
(٣) المحرر الوجيز ٤/ ٣٨٥.
(٤) المحرر الوجيز ٤/ ٦٢.
(٥) تفسيره ١/ ٤٤٢.
(٦) تفسيره ٢/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>