وقال ابنُ كثير (٧/ ١٩٨ - ١٩٩): «اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام: هل هو منسوخ أو محكم؟ على قولين: أحدهما -وهو الأشهر-: أنّه منسوخ؛ لأنه تعالى قال هاهنا: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم}، وأمر بقتال المشركين، وظاهر السياق مُشْعِرٌ بأنه أمر بذلك أمرًا عامًّا، فلو كان مُحَرَّمًا في الشهر الحرام لأوشك أن يُقَيِّده بانسلاخها؛ ولأنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف في شهرٍ حرامٍ -وهو ذو القعدة- كما ثبت في الصحيحين: أنّه خرج إلى هوازن في شوال، فلمّا كسرهم، واستفاء أموالهم، ورجع فلُّهم، فلجئوا إلى الطائف؛ عمد إلى الطائف، فحاصرها أربعين يومًا، وانصرف ولم يفتتحها. فثبت أنّه حاصر في الشهر الحرام. والقول الآخر: أنّ ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام، وأنه لم ينسخ تحريم الشهر الحرام؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام} [المائدة: ٢]، وقال: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: ١٩٤]، وقال: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التوبة: ٥]».